هل ورد «السيشن» ضمن شروط صحة الزواج؟
يجلس الشاب بين يدي والده هادئًا مطمئنًا وقورًا يبدو محترمًا متزنًا ويفاتحه في شأن الزواج، وما أنْ يسمع الأب عن نية ابنه حتى تتهلَّل أساريرُه ويتزيَّن وجهه بابتسامة عريضة، ومن بعد ذلك ينعقد لقاء بين عائلتي الشاب والعروس؛ لقراءة «الفاتحة» والشروع في تنفيذ قرار الزواج وما أدراك ما الزواج!
ترفع العائلتان حالة الطوارئ من يوم دخول الشاب حاملًا «علبة الجاتوه» على عائلة العروس وتمتد حالة الطوارئ حتى تضع حرب الزواج أوزارها.. ويعلم الله وحده كيف تدبر العائلتان تكاليف الزواج وأولها المصوغات الذهبية التي اصطلحنا على تسميتها «شَبْكَة» حيث يشتري ذو سعةٍ من سعته.
بعد ذلك اللقاء وشراء المصوغات الذهبية تبدأ حلقات الإنفاق في مسلسل بلا نهاية، المخرج فيه هو العادات والتقاليد، والبطلان هما «العريس» و«العروس»، والكومبارس هم الضيوف.. أما المتفرجون فهم الأهل والجيران والأصدقاء تصل لكل منهم تفاصيل التفاصيل بشأن تكاليف الزواج والأغرب أن هؤلاء المتفرجين يعملون نقادًا ويُبدي كل منهم رأيه في اتفاق الزواج بين مؤيد ومعارض ومتعاطف مع طرفٍ ضد آخر.
حكاية ورد السيشن
تتنوع حلقات مسلسل الزواج بين تكاليف «الشبكة، والموبيليا، والمأذون، وإعداد الشقة على أعلى مستوى، وشراء مستلزمات النيش، وأدوات المطبخ، والأجهزة الكهربائية، وحجز الكوافير، وقاعة الزفاف، وأخيرا ورد السيشن.. إلخ».
وما بين كل حلقة وأخرى من ذلك المسلسل المزيج بين الكوميديا الساخرة والتراجيديا السوداء، حصار الديون والأقساط الشهرية المستحقة التي تكبِّل كل أسرة شرعت في إجراءات الزواج مع ربطه بتكاليف ما أنزل الله بها من سلطان، مع سبق الإصرار والترصد.
وأعجب العجب في ذلك أن كثيرًا من الزيجات أصبح مدة صلاحيتها محدودة على الرغم من أن نية الخير والصلاح تقتضي أن يكون الزواج بنية التأبيد أي الاستمرار مدى الحياة، ويؤكد ذلك معدلات الطلاق التي وصلت إلى حالة طلاق كل دقيقتين، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وفق نشرته الصادرة في أغسطس الماضي لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، إن عدد عقود الزواج وصل إلى 880041 عقدًا عام 2021 مقابل 876015 عقدًا عام 2020 بنسبة زيادة قدرها 0.5%.
وبلغ عدد حالات الطلاق 254777 حالة عام 2021 مقابل 222036 حالة عام 2020، أي بنسبة زيادة قدرها 14.7%؛ مما يطرح مزيدًا من الأسئلة حول أسباب الطلاق والتي تتلخص في تركيز كثير من تلك الزيجات على المظاهر الكذابة دون تركيز على الجوهر والهدف الإنساني من قيمة الزواج؛ فضلًا عن الديون التي تحاصر الشاب وعائلة العروس بعد الزواج.. فكل منهم قد تورط في ديون وأقساط لا أظن أن الحال سيستقيم بعدها عيشة هانئة.. وكيف سيهنأ زوج مع عروس يعلم يقينا أن زواجه منها سبب ديونه وهمه؟
أسمع كثيرا عن مبادرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودعوات لتدخل تشريعي لتسهيل الزواج ولكل ذلك نوايا طيبة.. لكننا أصبحنا الآن بحاجة إلى وقفة جادة من الدولة والمؤسسات الدينية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، وليتنا نجري تحريات عن العائلات التي تيسر الزواج لتكريمها ودعمها معنويا وإعلاميا..
إنَّ عقد الزواج الذي شرعه الله لم تتضمن شروطه سيشن، أو ليلة حنة، أو كوافير، أو إيجار فستان.. وكلها أمور يمكن تفاديها إن أعملنا صوت العقل أعظم ما كرَّم الله به الإنسان.. والله من وراء القصد.