اعتذار واجب إلى طبيب نفسي
يقول الأطباء، «إنَّ الشعورَ بالمرضِ هو البداية الحقيقية للعلاج»، ولست أدري إلى متى نتعامل مع أحد تخصصات الطب الحيوية بحالة من التعامي المقصود، على الرغم من الأهمية القصوى لذلك التخصص، ولست مبالِغًا إن قلت إنه البداية الحقيقة لعلاج مشكلات اجتماعية وجسمانية كثيرة.
إنه تخصص الطب النفسي الذي تعرَّض لافتراءات كثيرة طالت سمعته وصورته وكينونته كعلم شأنه شأن بقية العلوم الحيوية التي نحتاجها كالماء والهواء، ولست مبالغًا إن قلت، إنَّ كثيرًا من المواد الدرامية التي تعرّضت للطب النفسي وأهله عاثت في صورتهم تشويهًا وإفسادًا، ووجدنا – بكل أسف – المواد الدرامية التي حولت ذلك التخصص إلى مُزْحةٍ ومادةٍ للسخرية والتطاول بمشاهدٍ تنم عن جهلٍ مَقِيتٍ.
يؤسفني كثيرًا أنَّ تلك أيضًا رؤية اجتماعية شائعة لدينا.. إنَّ أحدَنا يتعرَّض إلى أي أزمةٍ صحيَّةٍ؛ فتجده يجاهر بما أصابه.. يسأل عن أنسب التخصصات وأفضل الأطباء الأشهر في علاج ذلك العرض الصحي الجسماني وربما يتداول الناسُ تجاربَهم بشأن الأعراض الصحية الجسمانية المتشابهة.
أهمية الطب النفسي
أما حال الإصابة بمرض أو حتى مجرَّد اضطراب نفسي يتحوَّل تخصص الطب النفسي أو المخ والأعصاب إلى وجهةٍ سريَّة لا يريد طالبُها أن يبوحَ بها إلى أحد، هذا إن كان صاحب الأعراض مستبصرًا بها واعيًا بما يناله من عرض نفسي يتطلب زيارة طبيب نفسي والخضوع إلى العلاج المقرر لحالته.
لهذه الأسباب تجد الأسر التي لديها شخص مصاب بعرض أو اضطراب نفسي يتطلب الحصول على حقه في العلاج وزيارة الطبيب المختص؛ على كتمان من أمرها؛ لأنها تعلم يقينًا أنها ستكون محاصرة بألسنة تمارس الجلد واللدغ أحيانا وربما تطعن ألسنة الجاهلين في سمعة أسرة أو عائلة بأكملها لمجرَّد أن مريضا نفسيا لديها.. والحق أن تلك الأسر وقعت ضحية للصورة المشوهة عن المريض والطبيب النفسي.
إنَّ العديد من مشاكلنا التي نواجهها يوميًّا في البيوت والشوارع ومواقع العمل تعود في أكثر أسبابها إلى مشكلات نفسية يعانيها كثيرون، ولا يعترفون حتى بينهم وبين أنفسهم بأنهم في معاناة تستوجب العلاج. وهذا التعامي عن الاعتراف بالحق وبالمرض والعرض النفسي يتسبب في مشكلات لا طاقة لبشر على مواجهتها.
والغريب في ذلك أنه حينما تقع جريمةٌ غريبةٌ عن طبيعة المجتمع نجد إعلامنا الموقر يتسابق في استضافة الأطباء النفسيين وإجراء حوارات معهم لتحليل تلك الجريمة.. وتقتضي طبيعة الواجب العلمي والنفسي والمهني لهؤلاء الأطباء الذين يبرون بالقسم ويقدمون النصح والإرشاد والتوجيه.. ويتناسى هؤلاء الأطباء بنبل أخلاقهم ما فعلته بهم الدراما.
مدينون نحن بالاعتذار لتخصص الطب النفسي برمته على خلفية ما طاله من هجوم على صورته وحقيقته ونبله الإنساني.. ذلك التخصص الذي نراه ضرورة حيوية للبشر كافة.. والله من وراء القصد.