ممثل أمريكي أحدث وجه في عصابة الأفروسنتريك
أيام وشهور، بل وسنوات، مرت على بدء المؤامرة الصهيونية، المسماة بـ الأفروسنتريك على مصر، مستمرة. وبعد فشل المؤتمر الذي كان مقررًا عقده بعنوان "العودة إلى الأصول"، في محافظة أسوان؛ في محاولة لاستقطاب الجنوب المصري، من باب أنه "لو اخترعت كذبة كبيرة وأصرت على تكرارها كل يوم بإلحاح فسيصدقك الناس في النهاية".
"انضم إلينا لسماع محاضرات ساحرة بخصوص التاريخ الأفريقي"، هكذا أعلن المنظمون للمؤتمر، الذي كان مُقررًا عقده في 25 و26 فبراير الماضي، تحت إشراف منظمة «HAPI» الأمريكية للتكامل والتعاون الاقتصادي (أي حابي إله النيل)، ومركز «IKG cultural resource center» البحثي، وشركة سياحية أمريكية تُدعى «Akhet» مقرها في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة..
والمؤسسات الثلاث جميعها «أفرو أمريكان» -أمريكان من أصول أفريقية- وتقوم شركة السياحة بالإشراف على رحلة المشاركين في المؤتمر من الولايات الأمريكية إلى مصر وتنفيذ برنامج المؤتمر، فيما مهمة تمويل المؤتمر والإشراف على فعالياته والجولات الميدانية والمحاضرات موكلة مُسندة إلى منظمة «HAPI» ومركز «IKG».
الأفارقة السود هم أحفاد المصريين
الأفروسنتريك اتخذت من المؤتمر وسيلة لترسيخ أفكارها داخل مصر، من خلال مجموعة محاضرين ينتمون إليها، ويزعمون أن الأفارقة السود الحاليين هم أحفاد المصريين القدماء، وأن المصريين الحاليين أحفاد المحتلين لمصر (الهكسوس والرومان والعرب والفرس وغيرهم) عبر تاريخها، ولا علاقة لهم بالحضارة المصرية القديمة.
واليوم يظهر ممثل كوميدي أمريكي يدعى كيفن هارت ليتهم المصريين بأنهم "لصوص حضارة"، ويخطط لإقامة حفل بمصر في في استاد القاهرة 21 فبراير 2023. هذه الخطوة تعد الأخطر في مسيرة المؤامرة.. من هنا لاقت الحفل رفضًا واسعًا وهجومًا كبيرًا من جموع المصريين. الرفض جاء واضحًا، حيث دشن رواد منصات التواصل في مصر وسم إلغاء حفل كيفن هارت، رفضًا لعرض الممثل الكوميدي الأمريكي كيفن هارت في القاهرة.
"عنصرية وتزوير للتاريخ"
وتحت شعارات مثل "غير مُرَحب به" و"تاريخ مصر خط أحمر" ووسم "إلغاء حفل كيفن هارت"، انطلقت الحملة المصرية التي تدعو لإلغاء حفل الـ"ستاند آب كوميدي" ل كيفين هارت، مُعلنين رفضهم تصريحات النجم السابقة عن أصل ملوك مصر القديمة وآراءه التي وصفوها بـ"العنصرية" و"المزورة للتاريخ المصري".
"يجب أن نعلِّم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقي عندما كانوا ملوكا في مصر، وليس فقط حقبة العبودية التي يتم ترسيخها بالتعليم في أمريكا، هل تتذكرون الوقت الذي كنا فيه ملوكًا؟"، هذا هو التصريح الذي أغضب المصريين من كيفين هارت، خاصة لما عُرف عنه من اعتناقه الأفكار التي تدعو لها حركة أفرو سنتريك، التي قام بتأسيسها اليهود الصهاينة، وبعض الجماعات ذات الأصل الأفريقي في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
وزعم رواد حركة أفروسنتريك أن أصل الحضارة المصرية يعود للأفارقة فقط، بل إن ملوك مصر أنفسهم أفارقة ولا دخل للمصريين القدماء بالحضارة، وهو ما استشهدوا عليه ببعض التماثيل واللوحات الفرعونية لأشخاص داكني البشرة.
واشترى كيفين هارت دار نشر في أمريكا من أجل إعادة سرد التاريخ للأطفال من وجهة نظر الحركة، خاصة أن الكثير من رجال الأعمال الأفارقة ومشاهير آخرين من أصل أفريقي يدعمون الفكرة ليس فقط سياسيا بل ماديا أيضا ومن بينهم المغنية ريهانا.
حضارة مصر.. أفريقية أم فرعونية؟
وكان عالم المصريات ومدير متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية الدكتور حسين عبد البصير، قد رفض أفكار هارت في العديد من اللقاءات الإعلامية السابقة، وتحديدا في فبراير 2022 خلال حملة أخرى جاءت اعتراضا على عقد مؤتمر "أفريقيا الموحدة – العودة للجذور" في أسوان كون المنظمين ينتمون إلى حركة أفرو سنتريك.
حسب وصف الدكتور عبد البصير، فإن أفرو سنتريك هي حركة "معادية للحضارة المصرية، كما أنها تتسم بالعنصرية والتدليس، بسبب ما يزعمونه من أن المصريين الحاليين موطنهم الأصلي هو شبه الجزيرة العربية، قبل أن يقوموا بـ(احتلال) مصر وطرد الأفارقة السود (المصريين الأصليين) منها.. وقد آن الأوان للعودة ومطالبة الأفارقة بأرضهم ووطنهم".
أما عن لون البشرة الأسود للتماثيل فقد فسره، بأن التماثيل كانت تُدهن بهذا اللون كنوع من الدلالة الرمزية للإله -حسب المعتقد الفرعوني- أوزوريس ولا علاقة للأمر بلون بشرة صاحب التمثال على الإطلاق.
وبالرغم من أن الشركة المنظمة لحفل كيفين هارت لم تُعلن أي جديد عن موقفها بعد حملات المقاطعة المنتشرة، فإن القائمين على تلك الحملات يشعرون بالتفاؤل مُقتنعين بأن إصرارهم لن يلبث أن يُسفر عن إلغاء الحفل.
حفل كيفين هارت في القاهرة
كان كيفن هارت قد أعلن بحماس -عبر حسابه الشخصي على تويتر- عن أول عرض "ستاند آب كوميدي" يقدمه في مصر على أن يكون ذلك العام المقبل، ضمن جولته العالمية (Reality Check) التي سيزور خلالها العديد من العواصم.
من هم الأفروسنتريك؟
"أفروسنتريك" ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى أوائل القرن الـ19، حيث ظهرت فكرة المركزية الأفريقية لأول مرة، في إحدى الصحف التابعة لـ"الأفرو أمريكان"، والتي ربطت آنذاك بين الأفارقة السود والمصريين القدماء، ومع مرور الوقت لا سيما مع ظهور حركة الحقوق المدنية ردًا على العنصرية ضد الأمريكان من أصل أفريقي وتهميشهم، وفقًا لما ذكرته جامعة جوهانسبرج.
في خمسينيات القرن الماضي، بدأت الأفروسنتريك على يد المؤرخ السنغالي، شيخ أنتا ديوب، والذي كان يزعم أن كل ما أنجزته الحضارة الأوروبية يعود إلى مصر القديمة، والتي كان يقصد بها، الأفارقة السود، زاعمًا أنهم أحفاد المصريين القدماء الأصليين، وأن السكان الأصليين لمنطقة شمال إفريقيا بأكلمها، بما فيها مصر والممالك المغربية ومملكة نوميديه بالجزائر، وقرطاج التونسية، والأندلس، من أصحاب البشرة السوداء، وتمت إبادتهم على يد الأوروبيين بالعصور الاستعمارية القديمة، وفقًا لكتابه المعنون بـ«The African Origin of Civilization»، أي "الأصول الزنجية للحضارة المصرية".
ومع ستينيات القرن الماضي، لم يفوّت رموز «الأفرو-أمريكان» حينها الفرصة، ولذلك تبنّى الناشط الإسلامي، مالكوم إكس، المُدافع عن حقوق الأمريكيين الأفارقة، فكرة تزعم أن الأفارقة السود هم بُناة الحضارة المصرية القديمة.
ويتداول المنتمين لحركة الأفروسنتريك اليوم فيما بينهم، عبر المنصات الإلكترونية التي يروجون فيها لأفكارهم، تسجيلات صوتية منسوبة لمالكوم إكس، يقول فيها: "كل هذه البقايا المنتمية للحضارة المصرية القديمة بجوار النيل، والتي صدمت الرجل الأبيض، تعود إلى الرجل الأسود".
مصطلح الأفروسنتريك، لم يتبلور حتى ثمانينيات القرن الماضي، إلى أن جاء الباحث موليفي أسانتي، وعرفه بأنه "مصطلح هدفه الأساسي التركيز على دراسة التاريخ من وجهة نظر أفريقية".