رئيس التحرير
عصام كامل

ابتسامة حكومتنا العريضة!

الثقة المتناهية والثبات المفرط والابتسامة العريضة التى تبدو عليها الحكومة خلال المنتديات والمؤتمرات العامة لا تعنى سوى أمرين لا ثالث لهما، إما أن الحكومة لديها من المعلومات ما لا نعلمه ويحوى خيرا لهذا البلد، يجعلها تبدو على هذا القدر من المتفائل، أو أنها لم تدرك بعد حجم الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد، والتى هبطت بالاغلبية العظمى من المصريين إلى مستوى خط الفقر والفقر المدقع.

فخلال الأسبوع الماضي توقعت وكالة بلومبرج الدولية المتخصصة فى متابعة وتحليل الشأن المالي العالمى، أن تقدم الحكومة المصرية على تخفيض جديد لقيمة العملة المحلية، بعد أن بات الاقتصاد المصري أكثر عرضة للازمات خلال الـ 12 شهرًا القادمة، والهبوط الحاد الذى أصاب الجنيه وتسجيله للاداء الأسوأ فى العالم بعد العملة الغانية خلال الربع الحالى من هذا العام.

ولعل ما يدعو للانزعاج، أن بلومبرج قد أسندت فى توقعاتها لمقياس "Nomura Holdings Inc" الذي تنبأ فى السابق بكافة عمليات التخفيض التى طالت الجنيه، التى لاتزال- وفقا لتقرير الوكالة- ضعيفه للغاية أمام تقلبات السوق الذي يستعد لمزيد من الاضطراب الاقتصادى خلال الشهور القليلة القادمة.

الأداء المالى المضطرب للاقتصاد المصرى خلال الشهور الماضية جعل الوكالة الدولية تؤكد أن هناك نوعا من الالتباس مازال يشوب مدى مرونه الجنيه، لدرجة جعلت من الصعب الجزم بمدى قدرتها على استيعاب الصدمات الخارجية، في الوقت الذي تصارع فيه البلاد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتراجع قيمة الجنيه بنسبة تزيد عن ال 20% وسط حيرة من المستثمرين فى العالم، حول ما إذا كانت الحكومة المصرية ستسمح برفع قبضتها بشكل كامل عن قيمة الجنيه، وجعله يفقد المزيد من قيمته فى حالة تعرضها لضغوط جديدة.

قرض صندوق النقد

غير أن بلومبرج عادت وقطعت بأن الحيرة من أمر الجنيه لن يستمر طويلًا، بعد أن باتت كل المؤشرات تتجة نحو تخفيض جديد لقيمتها انصياعا لإرادة صندوق النقد، والأزمة التى يعيشها الاقتصاد المصري، بعد إحجام أصحاب الأموال الساخنة عن العودة للأسواق المالية الناشئة، ورفع عوائد أذون الخزانة المصرية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2019، وتسجيل مؤشر التحذير المبكر لأزمات سعر الصرف "نومورا" للسوق المصرى أنه الأعلى خطرا بين الأسواق الناشئة فى العالم، وتصنيف مصر من الدول النامية ال 4 التى لم تستطيع الخروج من الغابة.

أؤكد انه رغم الانخفاض الضخم الذى طال العملة المصرية خلال الشهور الأخيرة، والتوقعات المتشائمة من بلومبرج وغيرها من المؤسسات المالية الدولية، بأن يشهد الجنيه المصري انخفاضا اخر يزيد عن ال 13% خلال ال 12 شهرا المقبلة، إلا أننا مازلنا فعليا نعيش ظروف أفضل بمراحل من دول أوربية عديدة.

غير أن صعوبة ما هو قادم عالميا، مع الاحتياجات المالية الانية والمستقبلية الضخمة التى تنتظر البلاد، لن يعالجه قرض ال 3 مليارات دولار الجديد الذى ستحصل عليه مصر من صندوق النقد خلال أيام، والذى تعول عليه الحكومة فى تلبيه احتياجات المستوردين، ووقف المضاربة على الدولار بالسوق السوداء، ولاسيما وأن الاحتياجات الانية للسوق المصرى تزيد فعليا عن ال 5 مليارات دولار.

دعونا نتفق أن ظاهرة المضاربة على الدولار لن تنتهى سوى بقدرة البنوك على الوفاء بكامل احتياجات العملاء من العملة الأمريكية، وأن التعويل على عودة الأموال الساخنة لمصر من خلال شهادة الثقة التى سيمنحها صندوق النقد للاقتصاد المصرى بالوافقة على القرض لن يحدث، فى ظل الاستقطاب الأمريكى للكم الأكبر من هذا النوع من الاستثمارات من كل الأسواق الناشئة فى العالم.

 

 

الثقة والثبات والابتسامات التى تبدو عليها الحكومة أمام الرأي العام لن تحل الأزمة، وأن ما هو قادم دوليا ومحليا يشكل تهديدا حقيقيا لسلامة الاقتصاد والأمن الاجتماعي المصرى، وانه لا خلاص منه سوى بتدفقات دولارية نقدية انية وحية بعيدا عن القروض، مع تبنى سياسة اقتصاد الحرب وإدارته بمعرفة حكومة كفاءات اقتصادية، تفرض سياسات تقشفية صارمة، تقضى على كافة أوجه الترف والبزخ الحكومى، قبل أن يتفوق الجنيه المصري على العملة الغانية ويحصل على لقب الأسوأ اداء فى العالم.. وكفى.

الجريدة الرسمية