شركاء ابتزاز المصريين
للأسف أن المتدبر في واقع التخبط والارتفاعات غير المبررة في أسعار كافة السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق المصرية هذه الأيام، سوف يكتشف وبسهولة أن الحكومة باتت بتهاونها وقراراتها غير المدروسة شريكا متضامنا مع فئة من معدومى الضمير في الأزمة، وبات السلام والأمن الاجتماعى للأسرة المصرية يفرض عليها حتمية التدخل وفرض واقع جبرى لتحقيق الانضباط في الأسواق، والضرب بيد من حديد على كل متلاعب بأقوات الفقراء، ولاسيما بعد أن باتت أسعار كل السلع - حتى الجرجير- تحدد وفقا لهوى كل تاجر، بدعوى ارتفاع أسعار الدولار.
ولأنني لم أتعود إلقاء التهم جزافا، وألقى هنا بمسئولية ما يحدث للمصريين من ابتزاز على الحكومة والتجار بشكل مباشرة، فسأكتفي بالاستشهاد بـ 4 نماذج لسلع أساسية، ومناقشة الصورة التي كانت عليها قبل وبعد قرارات الحكومة بتعويم العملة المحلية والعمل بنظام الاعتمادات المستندية، ونرى سويا إذا ما كان الأمر يستحق كل تلك الارتفاعات، أم أن الأمر مجرد جشع يحتاج إلى وقفه.
تقاعس الحكومة
وابدأ بـ الفول الذي يعد بمثابة القوت الأول للفقراء والطبق الأول والرئيسي على مائدة الغلابة، الذي ارتفع سعره من 17 إلى 25 ألف جنيه للطن منذ مايو الماضي، على الرغم من نفي الحكومة على لسان رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين منذ أيام، وجود أزمة على الإطلاق في مخزون الفول بالبلاد، بل ووجود وفره من البلدي والمستورد منه تزيد عن الـ 200 ألف طن، تكفي استهلاك مصر لمدة تزيد عن الـ 4 أشهر، بخلاف مخزون الإنتاج المحلي لموسم الحصاد الحالي الذي انتهى في أغسطس الماضي.
ورغم ذلك ارتفعت أسعار الفول خلال 6 أشهر بنحو 8 آلاف جنيه للطن الواحد، مما جعل طبق الفول يباع على عربات الفقرا بسعر وصل إلى 20 جنيها، وسعر السندوتش النص رغيف يباع بسعر يتراوح بين 4 و6 جنيهات، وهي الأزمة التي يتحمل مسئولياتها التجار طمعا في تحقيق أقصى قدر من المكاسب من جيوب الغلابة، ومعهم الحكومة التي ساهمت بغيبة الرقابة وتقاعسها عن الإفراج عن شحنات الفول الموجودة بالموانئ، نتيجة لقرارات البنك المركزي المتخبطة، وعجر البنوك عن تدبير السيولة اللازمة من العملة الأجنبية للمستوردين لتسديد مقابل الافراج عن تلك الشحنات.
أزمات مفتعلة
أما تاني السلع فهو السكر الذي يعد أحد السلع الاستراتيجية التي لا غنى عنها في بيوت المصريين، والذى قفز سعر الكيلوجرام منه في بعض المحافظات من 10 إلى 20 جنيها، على الرغم من اكتفاء البلاد منه ذاتيا بنسبة تصل إلى 90%، حيث تشير الأرقام أن إنتاج مصر من السكر يبلغ 2.3 مليون طن سنويا، في حين يبلغ حجم استهلاك البلاد نحو 3.4 مليون طنا، أى أن الفجوة الاستهلاكية التى لا تتعد 1.1 مليون طنا وتقوم الحكومة بتغطيتها عن طريق الاستيراد، لا تتناسب على الإطلاق والارتفاعات الهائلة في الأسعار الحالية، حتى وإن ما تم استيراده بالأسعار العالمية الجديدة.
أما ثالث تلك السلع فهو الأرز الذي اختفى دون مبرر من الأسواق، على الرغم من أنه يمثل أحد أهم السلع الأساسية للمصريين، لدرجة أن سعر الكيلو جرام الواحد بات يتراوح بين 18 و20 جنيها، على الرغم من إعلان وزير التموين فى سبتمبر الماضي أن مصر تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي، ونفى الحكومة منذ أيام وجود أزمة بالأسواق، بل والتأكيد على أن المخزون الاستراتيجي بالبلاد يكفى لمدة عام.
ورغم التصريحات السابقة وتدخل الحكومة بشكل مباشر بضخ نحو 500 طن من الأرز بالأسواق، إلا أن الازمة المفتعلة التى يفرضها التجار مازالت موجودة، وساهمت فيها الحكومة أيضا بشكل مباشر بالرقابة الهشة، والخلاف غير المبرر مع المزارعين حول تسعير توريد طن الأرز، وإصرارها على فرض سعر 6500 جنيه في مقابل الطن الواحد، هو ما يعتبره المزارعين سعرا غير عادلا، ودفع الآلاف منهم إلى تخزين المحصول أو بيعه لأصحاب مزارع الدواجن لاستخدامه كأعلاف.
أما رابع السلع فهي البيض والدواجن التي ارتفعت بالأسواق المصرية بشكل مستفز، على الرغم من تأكيد الأرقام على اكتفاء مصر منهما ذاتيا بشكل كامل، غير أننا نستورد نحو 80% من مستلزمات صناعة الأعلاف من الخارج، خاصة الذرة الصفراء وفول الصويا، وأدت القرارات المتخبطة للحكومة والبنك المركزي منذ مارس الماضي في تعطيل استيرادهما، بل وتكدس نحو 1.5 مليون طن في الموانئ، بسبب عجز المستوردين عن تدبير العملة الأجنبية اللازمة للإفراج عن تلك الشحنات، مما جعل سعر طن العلف يقفز خلال الأيام القليلة الماضية من 7 إلى 14 ألف جنيه، والذي انعكس بالتبعية على ارتفاع أسعار البيض والدواجن.
الواقع يقول أن ارتفاع أسعار كل السلع السابقة لا علاقة له بالخارج أو الدولار أو الأسواق العالمية، بل ابتزاز من التجار وقرارات متخبطة من الحكومة، التى تحتم المسئولية الاجتماعية قبل السياسية عليها ضرورة العودة عن كل القرارات التى تعوق الاستيراد، وفرض رقابة صارمة وتشريعات مغلظة تردع المتلاعبين بأقوات الفقراء، وإلا ستصبح الحكومة داعما وشريكا في ابتزار المصريين.. وكفى.