رئيس التحرير
عصام كامل

الحل اسمه الدولار

هل نستطيع أن نجزم أن مصر تسير نحو استقرار اقتصادي مطمئن طبقا للتصريحات الحكومية المتفائلة، أم أن ارتفاع نسبة الديون الداخلية والخارجية، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وتوقف العشرات من المصانع عن العمل، والعجز عن الاستيراد، والنقص الحاد فى توفير الدولار وما نجم عنه من ارتفاع كبير فى أسعار كافة السلع بالأسواق المصرية، تعكس صورة أخرى تحتاج إلى شفافية وتوضيح من الحكومة.

 

ولاننى لست بصدد التشكيك، بل طرح تساؤلات هامة تحاج إلى إجابات صريحة في ضوء الواقع المتأزم، فسأكتفى بحيادية باستعراض الصورة التى تصدرها الحكومة من خلال التصريحات والأرقام، وتلك التى يعكسها الواقع طبقا للأرقام الحكومية المعلنة أيضا، للخروج بحقيقة شفافة للأوضاع على أرض.

 

فطبقا لما هو معلن، تتحدث تصريحات وزارة المالية عن نجاح الحكومة فى تحويل العجز بالموازنة الذي استمر لسنوات إلى فائض أولى بلغت نسبته للعام الخامس على التوالى 1.3% إلى جانب النزول بمعدل العجز بالموازنة إلى 6.1% وخفض معدل الدين إلى 87.2%.

 

فى الوقت الذى تتحدث فيه تصريحات وزارة التخطيط أيضا عن نجاح الحكومة فى تحقيق نموا اقتصاديا بلغ 4.4% وخفضا لمعدلات التضخم وعجز الموازنة والدين العام، وتوفير شبكة حماية اجتماعية للطبقات الأكثر فقرًا، بل وتحقيق استثمارات كلية خلال العام المالى الحالى وصلت إلى تريليون، و192 مليار جنيه، بزيارة تصل نسبتها إلى 35.1%؜.

 

أعترف أن السنوات الأخيرة قد شهدت من الإنجازات ما يستحق الإشادة، غير أن التصريحات السابقة التى استندت فيها الحكومة إلى مؤشر النمو الاقتصادي، لم تحدد إن كان ما تتحدث عنه من نمو قد جاء من عوائد موارد إنتاج أم تصدير أم أصول منتجة أم ديون، ولم تحدد أيضا إن كان هذا النمو قد انعكس فى صورة خفض لقيمة الديون ومعدلات الفقر والبطالة، أو زيادة بعدلات الإنتاج والصادرات والاستثمارات المحلية والاجنبية.

الذهب والدولار

 

فى حين أن الظواهر والأرقام تؤكد أن ما تصدره الحكومة يختلف تماما مع الواقع، الذى يعكس بشكل واضح ارتفاعا فى معدلات التضخم والفقر والبطالة، بحكم انسحاب استثمارات أجنبية غير مباشرة بقيمة 25 مليار دولار خلال الشهور الأخيرة، وانخفض الاحتياطي النقدى بالبنك المركزي إلى 33.411 مليار دولار  - بينهم ما يقترب نحو 15 مليار جنيه ودائع خليجية - إلى جانب إلقاء الحرب الروسية الأوكرانية بأعباء على الموازنة تقترب من ال 30 مليار دولار نتيجة للارتفاع الضخم فى أسعار القمح والبترول، وجميعها ضغوط لابد من الإعتراف بها.

 

للاسف أن لغة الأرقام التى لا تقبل التشكيك تؤكد أننا فى أزمة، وأن مداها لن يتوقف عند ما يحدث الآن، بل قد يمتد لسنوات، ولاسيما وأن مصر فى حاجة إلى تدبير نحو 38 مليار دولار في الموازنة الجديدة للوفاء بالتزامات الديون التى بلغت قيمتها فى مارس الماضى 157.8 مليار دولار، بينها قروض قصيرة الأجل تبلغ 26.4 مليار دولار، فى الوقت تحتاج فيه البلاد إلى تدبير ما يزيد عن 40 مليار دولار اخرى لتغطية العجز فى الموازنة ومتطلبات الديون حتى عام 2023 بينها 5 مليارات دولار خلال العام الحالى، إلى جانب 83.8 مليار دولار قيمة ديون متوسطة وطويلة الأجل تستجوب السداد على مدار السنوات ال 5 القادمة.

 

الواقع يقول أن كثير من القطاعات قد شهدت خلال السنوات الأخيرة نهضة غير مسبوقة، غير أن الاقتصاد المصرى يعيش فى الوقت الحالى أزمة لا خلاص منها سوى بتدفقات نقدية حية وسريعة، ولاسيما بعد أن باتت من الصعب إتمام العمليات الاستيرادية، وتكدس السلع ومسلتزمات الإنتاج بالموانى منذ شهور بسبب العجز عن تدبير الدولار، وهو ما أدى بشكل مباشر إلى توقف وتعثر عشرات المصانع عن العمل وتدبير مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أسعار كافة السلع بالأسواق المصرية.

 

للأسف أن فجوة النقد الأجنبي التى تعانى منها مصر الآن دفعت بالعشرات من المستوردين إلى الاستعانة بالذهب كحل لتدبير الدولار، لدرجة أن هناك شركات لا علاقة لها بمهنة الذهب بدأت منذ فترة فى جمع الذهب الكسر من الأسواق المصرية بأسعار مرتفعة، وإعادة تهريبة أو تصديره للخارج والحصول على مقابله بالعملة الصعبة، وهو السر وراء الارتفاع المتصاعد فى أسعاره فى ظل نقص المعروض وصعوبة الاستيراد، لدرجة أن سعر الجرام عيار 21 الأكثر شيوعا فى مصر تعدى ال 1600 جنيه.

 

حقيقة جمع الذهب من الأسواق المصرية وتصديرة للحصول على مقابلة بالدولار تعكسها أرقام صادرات البلاد من الذهب والأحجار الكريمة أيضا خلال العام الحالي، حيث سجلت خلال الشهور ال 9 الأولى من هذا العام نحو 975 مليون دولار، فى حين بلغت في شهر أكتوبر الماضي فقط 105 مليون دولار، وهو يعكس حجم الشح فى العملات الأجنبية والأزمة الخانقة التى تعانى منها البلاد.

 

 

أعلم أن مصر وتمتلك من الموارد ما يجعل اقتصادها صامدا أمام الأزمات، غير أن سعر الدولار الذى وصل بالسوق السوداء الى 30 جنيها يستدعى ضرورة التحرك بشكل سريع لوقف المضاربة وتدهور قيمة الجنيه الذى اقدمت على تعويمه للمرة الثالثة استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي، مع تسهيل إجراءات الاستيراد والافراج عما هو متراكم من سلع ومستلزمات إنتاج بالموانى، والبحث عن أبواب جديدة لتدفق العملات الأجنبية، وازالة كافة المعوقات أمام القطاعات الإنتاجية وفى مقدمتها الصناعة والزراعة.. وكفى.

الجريدة الرسمية