خفض الجنيه لا يخفض الأسعار!
حسنا فعل الدكتور مصطفى مدبولى حينما عقد أمس مؤتمرا صحفيا ليوضح تطور الأوضاع الاقتصادية والجهود التى تقوم بها الحكومة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التى نمر بها حاليا مع بقية دول العالم، والرد تحديدا على الشائعات التى يتعرض لها الجنيه المصرفى هذه الفترة ومنذ عدة أسابيع مضت، خاصة وإن ذلك جاء مقترنا بتقرير مفصل لمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء حول أوضاع الاقتصاد المصرى بالأرقام والمعلومات.
ولكن جاء ضمن حديث رئيس الوزراء إشارة إلى أن المرونة في تحديد سعر صرف الجنيه انتهجها البنك المركزى للسيطرة على التضخم.. وهنا الأمر يستحق التوقف أمامه قليلا حتى لا يفهم كلامه خطأ.. فإن ما أسماه رئيس الوزراء المرونة في تحديد سعر الصرف هو في حقيقته تخفيضا للجنيه تجاه كل العملات الاجنبيةَ بنسبة تجاوزت النصف في غضون الأشهر القليلة الماضية..
وهذا التخفيض يؤدى بالتبعية إلى إرتفاع أسعار كل السلع المستوردة من الخارج والمنتجة محليا ويدخل في إنتاجها مستلزمات إنتاج مستوردة، بل واعتدنا أيضا أنه يرفع بالعدوى أسعار حتى السلع المنتجة محليا ولا يدخل في إنتاجها مستلزمات مستوردة وكذلك الخدمات، مثل النجارة والسباكة والحياكة وكذلك أتعاب المحامين المحاسبين المهندسين وكشف الأطباء، وقد حدث ذلك فعلا مؤخرا!
ولقد لجأ البنك المركزى إلى تخفيض الجنيه ليس لمواجهة التضخم، لأن سلاحه الأساسي في هذا المجال هو سعر الفائدة بالرفع، كما تفعل كل البنوك المركزية في العالم، وإنما قام البنك المركزي المصري بتخفيض الجنيه لمواجهة أزمة أخرى هى أزمة الفجوة التى نعانى منها في النقد الأجنبي بعد هجرة الأموال الساخنة لأسواقنا والتي كنّا نعتمد عليها في سد العجز لدينا في النقد الأجنبي. فنحن نعانى من مشكلة اقتصادية مزدوجة.. تضخم استوردنا من الخارج، ونقص في النقد الأجنبي ومواجهته تزيد التضخم لا تخفضه.. وهذا بات المواطن العادى يعرفه لأنه يعيشه.