متى تقدم مصر نفسها للعالم بصورة مشرفة؟!
الجماهير المصرية لا شك أنها محبة لبلدها، متعطشة للانتصارات حتى ولو في كرة القدم ومن ثم فهي لا تتخلى أبدًا عن مساندة منتخبها الوطني في كل المنافسات.. وأحسب أن أداؤه بدأ يتحسن كثيرًا مع مدربه الجديد الذي ظهرت بصماته واضحة في مباراة بلجيكا التي فاز فيها منتخبنا القومي بنتيجة 2-1.
ولعلنا نتذكر رسائل الرئيس السيسي للاعبي منتخبنا وجهازهم الفني والإداري أثناء معسكرهم التدريبي قبل انطلاق بطولة أمم أفريقيا 2019 التي استضافتها مصر.. وهي رسائل صالحة لاستلهام روحها اليوم وتطبيق مضمونها في حياة كل فرد منا.. وبقدر ما كانت كلمات الرئيس دافعًا ومحفزًا لتشجيع اللاعبين لبذل أقصى الجهد؛ فقد جاءت تأكيدًا واضحًا على أن الأهم من اللعب والفوز هو المحافظة على القيم والمباديء، وأن نقدم أنفسنا للعالم بصورة ممتازة..
فالمباريات تنتهي ويبقى الانطباع الطيب عن أخلاق وسلوك اللاعبين والجمهور في المدرجات.. وقد رأينا كيف أبدع لاعبو المنتخب اليابانى في مونديال قطر 2022 وقدم رسالة حضارية للعالم أجمع حين حرصوا على تنظيم غرفة خلع الملابس باستاد خليفة، وتركها نظيفة تمامًا، بعد الفوز على المنتخب الألمانى بهدفين مقابل هدف.
ويبقى أن الساحرة المستديرة فوق أنها صانعة السعادة والشغف لدى الجماهير العريضة التي تتابعها باهتمام بالغ في كل دول العالم لاسيما مع البطولات الكبرى وعلى رأسها كأس العالم ثم البطولات والدوريات القارية.. فقد صارت أيضًا قبلة للاستثمارات تحقق عوائد ضخمة يعود نفعها على اللاعبين والأندية والاتحادات والشركات الراعية والدول المضيفة للبطولات.
ففي كرة القدم تنافس شريف تحكمه قواعد شفافة ملزمة للجميع ومن ثم فقد باتت مبارياتها بهجة حقيقية لشعوب الأرض كافة.. ولا عجب والحال هكذا أن تفرض الساحرة المستديرة نفسها كمشروع قومي يلتف حوله الجميع وهو ما يدعونا للتساؤل: لماذا لا تسري أمور حياتنا كلها بسلاسة كرة القدم وشفافيتها.. لماذا لا نختار الإدارة السليمة والفريق المعاون بنفس طريقة كرة القدم..
أليست تعاسة الإنسانية مرجعها لغياب العدالة واتخاذ القانون مطية لأغراض خاصة أو تغييبه عمدًا في حياتنا، يستوي في ذلك مجتمع الأفراد ومجتمع الدول، وهذا هو سبب الفشل في عدم تحقيق قيم العدل والحق والجمال وتفشي ظواهر العنف والكراهية والتعصب والانتقام وشيوع منطق القوة الغاشمة أو قانون القوة لا قوة القانون.. فكيف تتحكم خمس دول كبرى في مصائر العالم بسطوة مجلس الأمن.. كيف تصبح خصمًا وحكمًا في الوقت ذاته..
وبدلًا من أن يكون مجلس الأمن هذا ميزانا للحق والعدالة والمساواة بين الدول صغيرها وكبيرها صار وسيلة لإدارة الصراعات وتكريس النفوذ وتصفية الحسابات ومنح الامتيازات لدول وحجب الحقوق عن أخرى الأمر الذي يطعن في مصداقيته ويفقد الأمم المتحدة هيبتها..
فمن ذا الذي يمكنه جعل مجلس الأمن قوة دولية لإقرار المساواة ونشر العدل دون أن يكون لأحد حق الفيتو الذي يعطل تطبيق القانون على الجميع بعدالة وإنصاف.. لماذا يتجاهل مجلس الأمن فضح الدول الراعية للإرهاب سعيًا لتمزيق العالم العربي وتقسيم دوله على أسس عرقية أو مذهبية تقود في النهاية لحروب أهلية تضيع بسببها دول وقعت في براثن مخطط شيطاني مشبوه لتدمير أركانها وذهاب استقرارها وتشريد شعوبها كما حدث بعد ما عرف بثورات أو مؤامرات الربيع العربي الذي نجانا الله منها بفضل ثورة 30 يونيو الشعبية التي استعادت هيبة الدولة ولولاها لكانت مصر في عداد تلك الدول الممزقة.
لا يخالجني أدنى شك بعد الذي جرى للعالم جراء الأزمة الأوكرانية، ومن قبلها ما حدث لدول عربية كانت ضحية الصراعات وتقاطع المصالح أن المنظومة الدولية لن تنصلح إلا بتوسيع عضوية مجلس الأمن وكسر احتكار القوة.. كما لن تنصلح أحوالنا إلا باستعادة قوتنا الذاتية وإحداث تنمية معرفية ومستدامة لشعوبنا وإصلاح الخطاب الديني والتعليمي والثقافي لوضعها على طريق المنافسة وبناء القدرات التي تنقلنا لمصاف الدول المتقدمة وهو ما تجاهد الدولة لتحقيقه في الجمهورية الجديدة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن حديثنا عن ضرورة إصلاح المنظومة الدولية لتحقيق العدالة يجرنا للحديث عن ازدواجية المعايير الممقوتة التي لا يزال الغرب يمارسها حتى اليوم مع مصر؛ وهو ما جسده بيان البرلمان الأوروبي بخصوص حقوق الإنسان في مصر وهو البيان غير المتوازن الذي حمل مغالطات وافتراءات ووقائع مكذوبة تناقض الواقع وتخدم توجها سياسيًا غير محمود لخدمة أيدلوجية معينة وهو يغفل الإنجازات التي حققتها الدولة المصرية في ملف حقوق الإنسان، وجانبه الصواب تماما في تناول حالة الطوارئ التي تم إيقاف العمل بها منذ سنوات.. الأمر الذي إضطر البرلمان المصري للرد ببيان يوضح الحقائق ويفند افتراءات وأكاذيب البرلمان الأوروبي ضد مصر..