اضطراب سوق النقد وأزمة الدولار.. مسئولية من؟
استمرار الاضطراب في سوق النقد المحلي وتصاعد أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه بات لغزا محيرا لكل المواطنين، خاصة وهم يرون توابع فشل الحكومة وإجراءاتها التصادمية المتلاحقة من تعويم للجنيه وتقييد لحركة الاستيراد ورفع متتابع لفواتير الكهرباء والوقود والمياه وغيرها، لم تجد نفعا وحياتهم أصبحت تسير من سيئ إلى أسوأ بعد أن سقط الجنيه أمام كل العملات وبكل اللغات وعم الغلاء كل أسواق السلع والخدمات.. فهل من تفسير؟
هل السبب فشل السياسات الاقتصادية والتجارية للحكومة، أم فشل البنك المركزي في إدارة سوق النقد وغياب التعاون في مجلس السياسات النقدية والمالية، أم تداعيات اتفاقات الحكومة المتتالية للاقتراض الخارجى عبر اتفاقات صندوق النقد الدولي، أم كما تردد تباعا الحكومة عن وجود تأثيرات خطيرة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها أزمة كورونا؟
أسئلة كثيرة يرددها المواطنون في المجالس العامة والخاصة بحثا عن مخرج وهم يرون السقوط المتتالى لعملتهم المحلية أمام كل العملات الأجنبية وفشل كل الإجراءات والقرارات التى اتخذتها الحكومة مؤخرا في إنقاذ الجنيه من السقوط لتصل قيمته الشرائية بحسب تقديرات الخبراء إلى أقل من ٢٥% من سابق قيمته في التداول بسوق العملات ومعها تتصاعد موجات الغلاء وارتفاعات الأسعار لكل أصناف السلع والخدمات وسط تفاقم عجز المواطنين عن تلبية احتياجاتهم اليومية، في ظل دخولهم المتدنية والتى لا تنمو بقدر معدلات ارتفاع الأسعار كل يوم.
الحكومة مشكورة وسط ارتفاع أصوات شكوى المواطنين صرحت مؤخرا بوجود أزمة، وأزمة حادة، وتحدثت عن الأسباب ومعظمها من الخارج ولم تقدم حلا يعطى أملا في الصبر على البلاء، والمواطن يضرب أخماس في أسداس.
ولم يتبقى لنا إلا لغة الأرقام علها تقدم حلا ل الغز المحير.
أزمة النقد الاجنبي
وقبل الأرقام لابد أن نشير إلى ركائز أساسية للأزمة، أولها أن مصادر النقد الأجنبى لبلادنا أربعة أساسية أولها إيراداتنا من الصادرات، ثم تحويلات العاملين بالخارج وهما أهم مصدرين، يليهما إيراداتنا من قناة السويس، ثم حصيلة تدفقات الاستثمار الخارجى.. وفى المقابل أهم أبواب إنفاق النقد الاجنبي تتركز في تمويل أعباء خدمة الدين العام الخارجى بصفة خاصة وثانيهما فاتورة الاستيراد السنوية.
ولرصد أخطر بواطن الخلل نستعرض الأرقام حول الأزمة، وهى تشير أولا بالنسبة للنفقات أنه بحسب تصريحات وزير المالية محمد معيط فإن "فاتورة الاستيراد الخاصة بالبلاد، ارتفعت بعد الحرب الروسية الأوكرانية ووصلت إلى 9.5 مليار دولار في الشهر، وكانت خمسة مليارات دولار شهريا قبل الحرب". ووفق النشرة الدورية للبنك المركزي، بلغ إجمالي ما سددته الحكومة من فوائد ديون وأقساط الديون الخارجية نحو 26.2 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2021/ 2022.
وتشير البيانات إلى أن أعباء خدمة الدين تنقسم إلى أقساط بقيمة 5.05 مليار دولار، والفوائد بقيمة 1.2 مليار دولار خلال الربع الأخير. وكشف البنك المركزي أنه تم سداد 21.7 مليار دولار قيمة أقساط القروض خلال العام المالي بالكامل، بجانب 4.5 مليار دولار فوائد مدفوعة عن القروض. وأشار إلى أن رصيد الدين الخارجي في مصر بلغ نحو 155.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، مقابل نحو 157.8 مليار دولار في نهاية مارس 2022، بتراجع بلغ نحو 2.1 مليار دولار.
مصادر النقد الاجنبي
أما على مستوى حصيلتنا من تدفقات النقد الاجنبي من مصادره الأربعة المشار اليها -وبحسب بيانات رسمية حديثة كشفت عن تطور كبير في ملف الصادرات المصرية خلال النصف الأول من العام الحالي، ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- فقد سجلت الصادرات الوطنية ارتفاعا ملحوظًا في الأشهر الستة الأولى من العام 2022، مقارنة بالفترة ذاتها من العام.
وأوضحت البيانات، أن القيمة الإجمالية للصادرات، بلغت خلال النصف الأول من العام الجاري، نحو 27.415 مليار دولار، مقابل نحو 20.162 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة بلغت نحو 7.253 مليار دولار، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 36%.. فيما كشف البنك المركزي إن تحويلات المصريين في الخارج سجلت ارتفاعا طفيفا لتصل إلى 31.9 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022 مقابل 31.4 مليار دولار قبل عام.
وبالنسبة لايراداتنا من قناة السويس صرح أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أن القناة سجلت إيرادات قدرها 7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/2022، مقارنة بايرادات بلغت 5.8 مليار دولار في العام المالي الأسبق وبزيادة قدرها 21%.. وتشير الأرقام ايضا إلى أن قيمة ما حصلت عليه مصر من قروض عبر صندوق النقد تصل إلى نحو 20.2 مليار دولار خلال آخر 5 سنوات من خلال 3 قروض مختلفة منها قرض التسهيل الائتماني الممتد بقيمة 12 مليار دولار على 6 شرائح على مدار 3 سنوات تزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في 2016.
بينما تتضمن القيمة الباقية قرضين أحدهما على صورة مساعدات عاجلة من خلال أداة التمويل السريع بقيمة 2.77 مليار دولار للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا، والآخر عبر برنامج الاستعداد الائتماني الذي إمتد على مدارعام وشمل 3 شرائح بقيمة إجمالية 5.4 مليار دولار. بحسب تقرير صندوق النقد الدولى..
والخلاصة أن لغة الأرقام تكشف أن مربط الفرس في لغز أزمة الدولار وإستمرار الاضطراب في سوق النقد يكمن في الارتفاع غير المسبوق لفاتورة سداد أعباء خدمة الدين الخارجى من أقساط وفوائد وغياب مبدأ الشمول المالى في حسابات الموازنة العامة للدولة كأساس للسيطرة على الدين العام وادارته، بما يتلافى مخاطر التأثير السلبى والخطير على سوق النقد المحلى وملحقاته المرتبطة ارتباطا وثيقا بحركة التعاملات في الأسواق بيعا وشراء واستيراد واستثمار أيضا، بانعكاسها المباشر على أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية ومعيشة الناس بالطبع.. وبعد كل هذا من المسئول عن الأزمة؟!