عندما يكون التجار أمناء!
فإذا كانت حقوق الناس تصان بالسياسة الصحيحة البعيدة عن الغش والكذب والخداع فإنها تقوم أيضًا بصحيح الاقتصاد والتجارة.. وكلما إلتزم التجار جانب الصدق في المعاملات التجارية نال الناس حقوقهم الاقتصادية وظفروا بحاجتهم من الطعام والشراب والملبس بسهولة ويسر.. وكلما غش التجارُ الناسَ في السلع والثمن فقد الناس أمنهم الغذائي والصحي وهو الأمر الحادث الآن بقوة..
أنواع الغش
وهناك أيضًا الغش الزراعي؛ ذلك الذي يقترفه مزارعون لإكثار محاصيلهم أو تسريع حصادها أو إظهارها بشكل يرغبه الناس عبر استخدام مبيدات وأسمدة محظورة.. ويتسع الغش الصناعي ليشمل كل ما يتعلق بتصنيع المواد الغذائية ونزع عناصر غذائية أساسية بشكل كلي أو جزئي وكان يجب أن تدخل في تركيبها.. وعرض المنتج الجديد بالاسم ذاته مثل نزع القشدة من اللبن أو إضافة عناصر أخرى أقل جودة إليها؛ لخلط الرديء بالجيد في القمح والأرز، أو من إضافة ما يحسن ردائتها في عين المستهلك؛ كالأصباغ والعمليات التجارية والمغلفات وما تنطوي عليه من خداع للمستهلك أو تأثير على المادة الغذائية..
أما الغش التجاري فهو كل تصرف يقصد به بيع مادة غذائية بوسيلة خادعة، وإلحاق الضرر بمن يسعى إلى تملكها أو استهلاكها. وهناك الغش العلمي أو التربوي، مثل عمليات تزييف النتائج المتعلقة بالتقويم.. وهي ظاهرة للأسف أضحت مستفحلة بشكل يجعلها ليست فقط غريبة بل وخطيرة حين نعلم أن الطلبة وأولياء أمورهم لا يشعرون بالخزي حين يتحدثون عنها بل إن الطلاب لا يتورعون عن إعلان نيتهم وبإصرار كبير على الغش، ويأتي حديثهم عنه قبيل الامتحانات كمثل نقاشهم عن فحوى الدروس أو المحاضرات.
غش الطلاب
إن ممارسة الطالب لسلوك الغش في الاختبارات والحصول على إجابات الأسئلة بطريقة غير مشروعة لا تعد مظهرا من مظاهر عدم الشعور بالمسئولية فحسب بل إفساد لعملية القياس وبالتالي عدم تحقيق أهداف التقويم في مجال التحصيل الدراسي.. ومن أسف أن الغش في الامتحان ظاهرة لم تنته بل تتجدد لدى طلاب المدارس والجامعات داخل المؤسسات التربوية والتعليمية بما فيها الدينية بصورة فردية وجماعية لدى الصغار والكبار على السواء.
وهنا تخبرنا الدراسات النفسية والتربوية أن تلك الظاهرة انتشرت لدى تلاميذ وطلاب متفوقين، تمامًا كما انتشرت بين ضعاف التحصيل الدراسي.. والحق أن الغش التربوي والتعليمي ظاهرة لم تتكون بين عشية وضحاها بل تفاقمت شيئًا فشيئًا حتى تفشت بين فئات المجتمع كافة، وتراكمت بفعل خبرات وتشجيع وتساهل من جهة أو أكثر منهم ولي الأمر والمعلم..
فكثير من المعلمين يسهمون في تفشي هذه الظاهرة التعليمية الخطيرة بصورة غير مباشرة بأخذ الرشا من الطالب وذويه أو من خلال محاباة بعض الطلبة على حساب آخرين لاعتبارات اجتماعية، أو بصورة غير مباشرة من السكوت والإهمال وعدم محاسبة من يقومون بالغش.. كما يمارس الأهالي الدور ذاته من خلال مساعدة أبنائهم على الغش عبر الاستعانة بمعلمين يمدونهم بأسئلة الامتحانات أو يسهلون لهم وسائل الغش كما يحدث في الغش الإلكتروني.
وينسى هؤلاء أن للغش التربوي والتعليمي خطورة على مناحي الحياة كافة، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو إدارة الدولة؛ فالفرد الذي اعتاد الغش في الامتحانات ثم يحصل على شهادة لا يستحقها، وقد يتبوأ بها منصبًا، وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل، غير مؤهل لقيادة الأم، وقد يجد هذا الغشاش نفسه يمارس الغش ذاته في النشاطات الاجتماعية والوظيفية والإدارية الأخرى، ويعلم الآخرين ويساعدهم على ارتكابه وكأنه فعل عادي غير مستهجن بينما هو حقيقته جريمة في حق التربية والتعليم والمجتمع، وهو فوق ذلك محرم في الشرع.