حرب الخاسرين
يمكن النظر إلى مجريات الحرب الروسية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية، بوصفها حرب استنزاف الضارب والمضروب والداعم، فهذه الحرب التى أطلقت عليها روسيا وصف العملية الخاصة، تحولت إلى حرب طويلة الأمد، باهظة التكاليف، من ضحايا، قتلى وجرحي بمئات الألاف ودمار للطاقة وللبنى التحتية، فضلا عن الانهاك الاقتصادي والسياسي لكل اطراف الحرب، حتى نال هذا الانهاك من المتفرجين في جميع أنحاء العالم.
ولا نتجاوز إذا قلنا أنه ما من بيت في الأرض الإ وضربته نتائج هذه الحرب اللعينة. من أجل هذا تلوح في الأفق منذ اسبوعين تقريبا اشارات تتزايد قوتها عن البحث عن حل سياسي، يوقف نزيف الدم والاقتصاد. إذ لا يغيب عن الذهن أن الغرب حين فرض عقوباته المتتالية على روسيا، اكتشف أنه يعاقب مواطنيه، ومقدراته الاقتصادية، وأن الغرب من حيث أراد إصابة القرارات الروسية بالشلل والعجز، فإنه أثار السخط في صفوف مواطنيه الذين يرون المال والسلاح يتدفق من جيوبهم إلى أوكرانيا.
نيران صديقة
وتعتبر هذه الحرب كاشفة لأداء الأطراف الفاعلة فيها، غير أنها فاضحة على نحو غريب لفاعلية القيادة العسكرية الروسية، ولمنظومة الصواريخ التى دأبت روسيا على التباهي بقدراتها، وأكثر من هذا فضحت هذه الحرب مدى جاهزية القوات الروسية وغياب الوازع الأخلاقي للتضحية، فهم فى غزو لبلد آخر، ولعل تباطؤ عملية التعبئة للشباب الروسي، وفرار أعداد منهم الى خارج بلادهم، قرينة على عدم أيمان هؤلاء المطلوبين للتجنيد بأنها حربهم المشروعة.
بالطبع فان الرئيس الروسي لديه الأسباب الاستراتيجية لتبرير هذه العملية الخاصة، لأن وجود حلف الأطلنطي علي باب البيت الروسي هو خطر محدق ينبغي منعه ودفعه. مع الوقت ونزيف الخسائر، باتت كل الأطراف تعيد التفكير وتحسب المكاسب والخسائر، ولقد رجحت كفة الخسائر، حتى لدي الجانب الغربي، بشقيه الأوروبي، وهو الخاسر الأكبر بعد الروس، ثم الأمريكي المستفيد الأعظم من الحرب، ومع ذلك فهو خاسر بكل المقاييس.
في هذا السياق يمكن فهم التصريح الأخير لمارك ميلي رئيس هيئة الأركان الامريكي، حين قال إنه من الصعب دحر كل القوات الروسية في أوكرانيا، وان هناك احتمالا لحل سياسي.. تلجأ الدول عادة للحل السياسي، حين ترى عواقب أدائها صفرا، وفي الحرب الحالية، فإن أطراف القتال جميعهم ينزفون، وهم كلهم بحاجة لوقف هذا النزيف. ومع بدء البحث عن حل تفاوضي، ومع تصريح بلينكن وزير الخارجية الأمريكي حول مطالبة أوكرانيا بالعقلانية وإعادة النظر في تمسكها بشبه جزيرة القرم، التى ضمتها روسيا عام ٢٠١٤..
لا يمكن الاستخفاف بإدعاء رئيس أوكرانيا أن الصاروخ الذي قتل شخصين في بولندا، عضو الناتو، هو صاروخ روسي. يريد إلى جر حلف الأطلنطي بآلته العسكرية الشاملة إلى الحرب. تريثت واشنطن وبولندا ذاتها ورجحوا أن الصاروخ نيران صديقة من أوكرانيا، والغريب أن زيلينسكي مصمم على أن موسكو هي التى ضربت بولندا، والأخيرة رأته صاروخا طائشا!
محاولة توريط الناتو هى محاولة أوكرانية لفرض واقع ميداني يجعل مكاسب روسيا عند التفاوض أقرب إلى الصفر. هذا المفهوم يخالف رؤية الغرب من أنه لا يجب إذلال موسكو، ولا الاستهانة بقدراتها، وترسانتها.. يترقب المواطنون الجوعى والمطحونون ماديا ساعة انهاء هذه الحرب، لأنها أنهكت الجميع الأغنياء والفقراء والاقوياء والضعفاء.. وإذا كانت هنالك من إشارة قاطعة فهى أن الحروب الكبرى ليس فيها منتصر الإ الخراب العام. وهذه بحق حرب خراب.