لا ترامب ولا بايدن!
تعكس انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، والتي تجرى كل عامين، مدى القبول العام لأداء الرئيس الحاكم في البيت الأبيض، فهى بهذا المعنى استفتاء شعبي حقيقي، تخوضه الولايات على مستوى حكامها ونوابها ومناصب محلية أخرى كثيرة. ومنذ انتخابات ٢٠٢٠ التى شهدت انقسام الأمة الأمريكية، ومنازعة الرئيس السابق دونالد ترامب نتيجة الانتخابات مع جو بايدن الذي فاز وقتها، فإن ترامب يبدو حاضرا في انتخابات التجديد النصفي.
وإذا كانت هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على أداء بايدن، فهى بالنسبة لدونالد ترامب الجمهورى الشعبوي، فرصة ذهبية للإعلان عن حضوره، وترشحه، وهو ما سيعلنه بشكل واضح في الخامس عشر من نوفمبر الجارى. من متابعة دقيقة لعمليات التصويت والفرز، فإن توقعات الجمهوريين ووسائل الاعلام بما أسموه اجتياح الموجة الحمراء للولايات، في إشارة للحزب الجمهورى، لم يحدث، وهو ما اعتبره بايدن انتصارا لتوقعاته..
فقد بلغ عدد المقاعد التي حصل عليها الجمهوريون في مجلس النواب، حتى كتابة هذه السطور، ٢٠٧ مقعد، مقابل ١٩٤ للديمقراطيين، ولذلك يتحدثون عن أغلبية جمهورية، أما مجلس الشيوخ فالسباق محموم لحد الجنون، والفارق حتى الآن مقعد واحد لحساب الجمهوريين، ٤٩ مقعدا، و٤٨مقعدا، والمفروض أن يكون لكل منهما ٥٠+١.
رضا الناخبين
على مستوى حكام الولايات، برز اسم دي سانتيس الذي فاز بولاية فلوريدا، وهو مرشح قوى للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة لعام ٢٠٢٤، وهو ما قد يسبب إزعاجا لدونالد ترامب الذي ينسب لنفسه النصر النيابي الذي حققه الجمهوريون حتى الآن. وهناك انتخابات إعادة في جورجيا، وهناك ثلاث ولايات تحت الفرز، والمجال مفتوح لانقلاب غير مؤثر في مقاعد الجمهوريين بمجلس النواب، أما الشيوخ وهو الغرفة التشريعية الأعلى، فالاحتمالات مفتوحة وفى كل الأحوال، يعكس هذا كله انقساما عميقا لدى الناخبين الأمريكيين.
الناخب الأمريكي -٦٠٪ منهم- حسب سي إن إن لا يثق في ترامب. هجوم الغوغاء يوم السادس من يناير ٢٠٢١ على الكونجرس لايزال جرس إنذار قوي، وفي الوقت ذاته هنالك نسبة كبيرة أيضا تتجاوز نسبة ترامب ترى في أداء جو بايدن فشلا كاملا، فالتضخم والجريمة والتسامح مع الإجهاض، واستنزاف الموارد الأمريكية لصالح أوكرانيا، كلها أسباب تدعوهم لعدم قبوله في فترة ثانية، وهو أعلن أنه سيحدد موقفه من ولاية ثانية قريبا.
لا يرضى الناخبون إذن عن رئيس سابق شعبوي، ولا رئيس حالى محدود القدرات، عتيق الذهن. بالطبع فإن وجود أغلبية جمهورية في مجلس النواب، سيجعل العامين المقبلين لجو بايدن كابوسا، فهم يمكنهم طلب عزله، ويمكنهم طلب التحقيق معه في فساد سياسي لحساب ابنه هنتر، ويمكنهم فتح تحقيقات معمقة حول ضلوعه في اصدار أوامر فيدرالية باقتحام منتجع ترامب وتفتيشه، ومصادرة وثائق حساسة، كما يمكنهم تجميد المرتبات الفيدرالية.
وصول الجمهوريين إلى الكونجرس ينطوى على نكوص محسوب للتدخل الأمريكي في أوكرانيا، تحت ضغوط الرأي العام من دافعي الضرائب. ويمكن أن نلاحظ إشارات متناثرة على الجانبين الروسي والأمريكي حول ضرورة التفاوض لإنهاء الحرب، ومجئ الجمهوريين بالكونجرس سيعجل بذلك.. ولايزال المشهد الانتخابي هناك يلقى بظلاله على كل بقعة من الأرض.. ونتابع