صراع بين المجرات والكواكب لحسم النفوذ العالمي والمعركة الروسية الأوكرانية على الأرض.. حرب الأقمار الاصطناعية
يطول الصراع بين روسيا وأمريكا عبر وكلاء الطرفين، حرب لا نهاية لها على النفوذ والأرض، إذ تحاول واشنطن إثبات أحقيتها فى الانفراد بإدارة النظام العالمى، وتسعى روسيا من جانبها لإفساد الخطة الأمريكية ونظامها الأوحد بإثبات قدرتها فى التفوق العسكرى، وآخر ما لدى الطرفين لإثبات قدارتهم على الأرض «الأقمار الصناعية».
الصراع يمتد إلى الفضاء
أصبحت شبكات الأقمار الاصطناعية أداة للجيوش والبلدان العظمى فى زمن الحرب، ترصد أهدافا محتملة لقوات العدو بمعزل عن هويته، وهو ما يُثير مخاوف من أن الصراعات الأرضية قد تمتد إلى الفضاء، خاصة بعد أن هدد قنسطنطين فورونتسوف مسئول كبير فى وزارة الخارجية الروسية، الأسبوع الماضى بأن الأقمار الاصطناعية التجارية التابعة لأمريكا وحلفائها قد تصبح أهدافا مشروعة لروسيا إذا شاركت فى الحرب فى أوكرانيا.
أضاف أن البنية التحتية شبه المدنية قد تصبح هدفا مشروعا لضربها نتيجة لأعمال الغرب، وألمح إلى أن استقرار أنشطة الفضاء السلمية، بالإضافة إلى العديد من العمليات الاجتماعية والاقتصادية على الأرض والتى تعتمد عليها رفاهية الشعوب خاصة فى البلدان النامية معرضة لمخاطر غير مبررة، وعلى الفور جاء الرد الأمريكى على روسيا من قبل السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، مؤكدة أن أى هجوم على قمر صناعى أمريكى تجارى من شأنه أن يثير ردًّا من الولايات المتحدة، مضيفة أن بلادها ستسعى بكل الوسائل لاستكشاف وردع ومحاسبة روسيا على أى هجمات من هذا القبيل.
وأثارت تلك التهديدات المتبادلة بين روسيا وأمريكا بشأن صراع المجرات واستخدام الأقمار الاصطناعية كوسيلة جديدة للحروب مخاوف العالم، وبات العديد من متابعى الحرب الروسية الأوكرانية والأزمات العالمية يطرحون التساؤلات والبحث المستمر حول تلك الأقمار الاصطناعية وإعدادها وأحجامها فى المنطقة والغرض منها والإمكانات المتاحة سواء العلمية أو أقمار التجسس التى يمكنها إشعال الحروب، وسيناريوهات المستقبل بين الدول الكبرى المستخدمة لتلك الأقمار وتحديدا روسيا وأمريكا.
حجم الأقمار
تتصدر أمريكا قائمة الدول الأكثر ملكية للأقمار الاصطناعية، إذ تعتبر من أهم محطات الرصد حول العالم، وتستخدم الأقمار الصناعية فى البث والاتصالات والتنبؤ بالتغيرات المناخية والتجسس وغيرها.
وبحسب موقع “ستاتيستا Statista” لجمع البيانات فإن عدد الأقمار الاصطناعية النشيطة التى تدور حول الأرض وصل إلى 4852 قمرًا حتى الأول من يناير 2022، حيث تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكثر من 2944 قمرًا صناعيًا، بينما تأتى الصين فى المرتبة الثانية بقائمة أكثر دول العالم من حيث امتلاك الأقمار الصناعية بـ أكثر من 499 قمرًا صناعيًا، لتتبعها روسيا فى المرحلة الثالثة عالميا من حيث امتلاك الأقمار الصناعية بأكثر من 169 قمرًا صناعيًا كما تملك بقية دول العالم حوالى 1240 قمرًا صناعيًا، تُستخدم فى عددٍ من المجالات من بينها الاتصالات والبث الإذاعى والتلفزيونى، وتعزيز شبكات الإنترنت وغيرها.
أنواع الأقمار الاصطناعية
وللأقمار الاصطناعية أنواع واستخدامات كثيرة، حيث جاء إطلاق أول قمر من قبل الاتحاد السوفييتى عام 1957 لمجموعة متنوعة من الأهداف منها استخدامها فى رصد الأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء، ومنها ما يتزامن مع الأرض التى توضع فى مدار يصل إلى 35800 كيلومتر عن سطح الأرض وتدور فى الاتجاه ذاته يوميًا حول الكوكب من الشرق إلى الغرب.
وهناك نوع آخر يعرف بالأقمار القطبية التى تدور حول الأرض من الشمال إلى الجنوب بين القطبين وتتمتع بأهمية كبيرة فى ما يتعلق بتكوين تصور عن حال الكوكب الأرض، إذ تستخدم فى دراسة الطقس والكوارث الطبيعية وتزود الأرض بمعلومات حول الحالات طارئة وبيانات الحرارة والضغط والرطوبة الخاصة بالغلاف الجوى، والتى تستعمل كمحطات فضائية كما هى الحال فى محطة الفضاء الدولية التى وصلت إلى مدارها عام 1998 ويمكن رصدها من سطح الأرض فى الليالى الصافية، كما أن تلك الأقمار تظهر فى الموضع ذاته مرتين يوميًّا.
وظائف الأقمار
ولتلك الأقمار وظائف عدة منها أقمار الاتصالات التى تعد واحدة من الأكثر انتشارًا اليوم فى البث التلفزيونى والمكالمات الهاتفية والاتصال بالإنترنت، والمراصد الفلكية والتى تستخدم كتلسكوبات فضائية على المدار الأرضى المنخفض ورصد الفضاء بشكل أفضل من المراصد الأرضية فى مراقبة التغيرات السريعة والكوارث الطبيعية والطقس والتحذير المبكر من الأعاصير والبراكين الثائر.
هناك أيضًا الأقمار العسكرية التى تركز على مراقبة الأرض ورسم الخرائط والتجسس وهناك شائعات بأنها تحمل أسلحة دمار شامل يمكنها تدمير الأقمار الأخرى لاسيما أقمار التوجيه والملاحة التى تستخدمها المواقع الملاحية كـ «جى بى إس» الشهيرة و»جلوناس» الروسية و»جاليليو» الأوروبية، عدا أنظمة ملاحة محلية لبعض البلدان مثل الصين واليابان.
يقول الدكتور مهدى عفيفى، العضو بالحزب الديمقراطى الأمريكى، إن الأقمار الصناعية تستخدم منذ زمن بعيد فى حروب عديدة وأبرزها حرب اليمن لإمدادهم الجيوش بالمعلومات، لكنها باتت أكثر تطورا ودقة من ذى قبل وتستخدمها كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والهند وباكستان والصين، وبلدان عديدة أخرى نظرا لإمكانية اشتراك أكثر دولة فى قمر واحد، مشيرا إلى أن كل الاتصالات الدولية باتت لا تتم الا عن طريق تلك الأقمار وليست الكواكب كما كان يحدث السابق.
وتابع عفيفى: الأقمار الاصطناعية يمكن أن ترى كل شيء على وجه الأرض، لذا فالاعتماد عليها مهم جدا، والمعلومات التى تنقلها هذه الأقمار تستخدم فى حروب مهمة جدا لتعريف الحلفاء بتحركات الأعداء وغيرها، وذاع استخدامها بشكل كبير منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وعن تهديدات روسيا لأمريكا، قال عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى إن تلك التحذيرات ليست بالجديدة على روسيا فهى تخرج علينا من فترة لأخرى بمثل تلك الأقوال، إما عن المسيرات أو الأقمار الاصطناعية وذلك نظرا لتعقد الموقف الروسى بعد الضرب العشوائى الذى تقوم به تجاه البنية التحتية لأوكرانيا.
وأوضح أن تخوفها من الوقوع تحت طائلة الحرب والفشل فى السيطرة على أوكرانيا بعد أكثر من 250 يوما يجعلها تتبع سياسة الأرض المحروقة وتدمير كل ما تستطيع تدميره من منشآت حيوية وبنيه تحتية، لهذا تتحدث كثيرا عن القنابل النووية والمسيرات والأقمار الاصطناعية والسدود، مضيفا أنه حال حاولت روسيا تنفيذ تهديداتها وضربت أقمار أمريكية سنكون فى مرحلة مختلفة قلبا وقالبا، إذ حينها سترد أمريكيا بقوة، فالتكنولوجيا الأمريكية ليست بما يستهان به فى مجال الأقمار الاصطناعية سواء إن كان التقنيات أو البرمجيات أو المعدات الإلكترونية وهى أكثر تطورا من روسيا فى هذا المجال، لذا استبعد بشكل كبير أن تقوم روسيا بتنفيذ تهديداتها.
ومن جانبها قالت الدكتورة نادية حلمى، أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف، إن الأقمار الصناعية فى الفضاء جزء أساسى من القتال الحربى الدائر بين روسيا وأوكرانيا، إذ توفر عينًا جوية للجيوش تراقب عبرها الأوضاع الميدانية وكذلك تؤمن الاتصالات بين الوحدات العسكرية المختلفة.
وأوضحت أن أوكرانيا تعتمد على مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من خلال شبكة «ستارلينك» التابعة لشركة «سبيس إكس» لتأمين الإنترنت، بمساعدة أمريكية لافتة إلى أن روسيا حددت بالفعل عدة أهداف وخطة لضرب عدد من الأقمار الصناعية الأوكرانية عند بداية الهجوم الروسى على أوكرانيا، من خلال استهداف شبكة «كا-سات» KA-SAT الفضائية والتى تديرها شركة «فيا-سات» «Viasat».
وتسبب الهجوم السيبرانى الروسى فى إحداث اضطرابات كبيرة فى أنظمة الاتصالات الأوكرانية، وأثر على أداء الخدمات العامة والشركات والمستخدمين الأوكران، كما أن الهجوم الروسى على أوكرانيا قد عطل عددا كبيرا من المحطات الأرضية الصغيرة الأوكرانية وعبر أوروبا، وخاصة التى تشغل «توربينات الرياح» وتوصل الإنترنت إلى المواطنين العاديين، كما أثرت تلك الهجمات الروسية على الأقمار الصناعية الأوكرانية وأثرت سلبيًّا فى العديد من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى ذاته.