مواطنون لا زبائن!
مشكلتنا أن الجهاز الإداري بمؤسساته وهيئاته لا ينظر إلى الناس في البلاد بوصفهم مواطنين من واجبه أن يخدمهم، وإنما ينظر إليهم بوصفهم زبائن يتعين أن يربح منهم! وهذا أمر واضح تمامًا في تسعيره للخدمات التي يقدمها للناس ابتداءً من شهادات الميلاد إلى شهادات الوفاة، مرورًا ببطاقات الرقم القومي وجوازات السفر ورخص القيادة والسيارات.. فهناك مبالغة في تسعير هذه الخدمات لأن من يقدمها يستهدف تحقيق أرباح مجزية من وراء ذلك، وهذا ما تم تداركه مؤخرًا في مراجعة تسعير خدمة تجديد السيارات!
لكن كان ذلك استثناءً لأسلوب تعامل الجهاز الإداري مع المواطنين.. وهذا ما بدا واضحًا فيما شهده سوق العمرة مؤخرًا.. فقد فتحت وزارة الحج السعودية مؤخرًا الباب أمام المصريين الراغبين في أداء العمرة بأسعار منخفضة بعروض تقدمت بها أربع شركات سعودية وبعد تخفيض رسوم التأشيرة.. لكن السلطات المصرية المسؤولة بالمشاركة مع شركات السياحة المنظمة لرحلات العمرة رفضت ذلك وأصرت على أن تتم رحلات العمرة من خلالها حتى تحافظ على الأرباح التي تحققها منها وهي كبيرة!
فإن شركات السياحة تحصل على التأشيرة بنحو ٧٨٠ ريالًا أب نحو ٤٥٠٠ جنيه، بينما تبيعها بنحو ١٣ ألف جنيه للمشاركين لرحلاتها، أما وزارة السياحة فتحصل على رسوم من كل مسافر للعمرة تزيد على الثلاثة آلاف جنيه! وهذا يعني أن من يؤدي العمرة يدفع نحو ١١،٥ ألف جنيه زيادة في رحلة العمرة التي تتراوح تكلفتها ما بين ٢٥ إلى ٤٠ ألف جنيه حسب مستوى فنادق الإقامة في مكة والمدينة وعدد أيام الرحلة.. بينما رحلة تركيا لمدة أسبوع التي تنظمها هذه الشركات تتكلف نصف تكلفة رحلة العمرة الاقتصادية! وترفض السلطات المصرية المسؤولة خروج أي مصري لأداء العمرة إلا إذا دفع كل هذه المبالغ!
ولو تغيرت نظرة جهازنا الإداري للناس بوصفهم مواطنين لا زبائن لتغيرت أمور كثيرة وتحسنت معاملته لهم وتوقف عن المغالاة في تقدير تكلفة هذه الخدمات، خاصة أن المواطنين يدفعون ضرائب للحصول على هذه الخدمات.. فضلًا عن أن ذلك سوف يسهم في صياغة حالة من الرضا بين الناس.