تعقلوا قبل أن تجعروا
من جرائم التكنولوجيا أن منحت طرفين معا، الفرصة لمخاطبة الجماهير، طرف جاهل وطرف عميل. بالطبع هنالك أطراف تسخر الامكانيات الهائلة لتكنولوجيا البث والإعلام في تقديم محتوى طبي وعلمي وديني بل وسياسي تنويري وغيرها من المجالات. سنقصر حديثنا عن الجاهل والعميل، أما الجاهل فيظن أنه يعلم، فيمضي بجرأة ووقاحة يبث التفاهات، واحيانا لا يرى رد الفعل الذي يحقق له المشاهدة الكبيرة ليجني منها مالا فلا يتورع عن استغلال شرفه وعرضه، يبيع ويعرض ويتفنن.
أما العميل فمأجور على أجندة خارجية، وهو في مهمة مكلف بها، وهو في ذلك يلتقى والجاهل فى البيع بأي ثمن، حتى لو كان المعروض هو الوطن. للأسف، نبت ابليسي ظهر مستغلا تلفزيون التيك توك واليوتيوب. والحق أنه بينما تحتفل مصر بيوم النصر الأعظم، نصر أكتوبر 1973، وفي المناسبة التاسعة والأربعين، أي بعد عام سيكون نصف قرن قد مضى على هذه الملحمة العسكرية الكبرى، فإن عميلة للأكاذيب، كارهة لوطنها، فجرت قنبلة دخان، للتغطية على الهزيمة التى لحقت بجيش الدفاع الاسرائيلي.
انتصرنا وحررنا الأرض
طرحت سؤالا هل فعلا انتصرنا؟ من قبيل الاستنكار، ورغم أنه يمكن الرد بكل المنطق والحقائق على هذه العميلة للأكاذيب، الحاضنة لآراء العدو، لكن ما كان يجب أبدًا على بعض المذيعين رفع أسهم مشاهدة هذه الناعقة الرافضة. نعم المواجهة بالحقائق تدحض الأكاذيب وأنصافها، لكن ذلك ليس بعد نصف قرن تقريبا، لأن النصر مستقر في الوجدان القومي، والتذكير به سنويا يتم باستمرار، والندوات التثقيفية للقوات المسلحة تعلم الأجيال الجديدة دروس التضحية، وتعرفهم بالرجال الذين حرروا الأرض. وحفظوا شرف الجندية المصرية وارتقوا بها في سماوات المجد.
هل التشكيك في انتصارنا حديث؟ في أثناء عملي لفترة وجيزة بإذاعة صوت أمريكا بواشنطن، كنت أتابع الصحف الأمريكية بطبيعة الحال، وقرأت ذات يوم مقالا لواشنطن تايمز وفيه إشارات تشكك وتنسب إلى إسرائيل مكاسب وهمية، وبذكاء الإعلام المصرى وقتها فإن التجاهل لمن يريبك في عقيدتك يبدد الفكرة ويخمد دورة الانتشار. وطبيعي أن عدوك يقلل من جراحه ويهون من زهوك، ويحمل لك الغل، فلا يجب الالتفات إلى موزعة الأكاذيب هذه علي اليوتيوب.
مرة أخرى فإن اهتمام بعض المذيعين باعادة تدوير أكاذيبها دليل على السذاجة وتلقف الطعم وتوزيع السموم. كم مواطنا شاهدوا تلك الأفعى السامة تشكك؟ بعد الردود الحنجورية، زاد جمهورها. إن انتصار القوات المسلحة المصرية على العدو الاسرائيلي في حرب أكتوبر عمل عسكرى عبقرى بكل المقاييس،نظرا لقوة تحصينات ومعدات وحداثة التجهيزات، والدعم الأمريكي الهائل، لكن روح الوطنية في الجندي المصرى كانت أعتى. وأقوي وأفعل لقد حاربنا بما أتاحه لنا الاتحاد السوفيتي وقتها، وهو في معظمه دفاعي، وانتصرنا لأننا نحرر الأرض، ونجح الرئيس السادات في استثمار الدم الزكي علي أرض سيناء في انجاز سياسي حرر كل سيناء.
نفس هذا الأداء السياسي الرفيع هو الذي وفر لجيش مصر العظيم العلم والتخطيط والرجال المناسبين الأكفاء، رجال من ذهب، أذهلوا العالم والعدو ببراعة ودهاء الخداع الاستراتيجي وادارة العمليات. مرة اخرى، انتصار مصر فوق التشكيك، والدفاع عن هذا الانتصار، لمجرد أن عميلة للكذب حاضنة لأفكار العدو مضت تشوه وتشكك ما كان يجب القيام به لأنه ترويج له. وشأن أي كاذب مروج للأكاذيب وبخاصة ما إتصل منها بالأمن القومي، فإن من العدل احضارها للمحاكمة والمساءلة. ويا بعض المذيعين تعقلوا قبل أن تجعروا.