شيء من الانضباط
الشارع عادة هو مرآة تعكس حضور القانون من عدمه، والقانون إذا غاب مجرد غياب، فالشارع غابة، فما بالك إذا تصرف الناس، يدفعهم شعور مؤكد بأن القانون منعدم في الشارع؟ ليس البشر ملائكة، لذلك وضع الله الجنة والنار للمحاسبة في السماء يوم الحساب، أما على الأرض فقد اختارت الشعوب حكومات توفر لها السلامة والأمن وتقيم العدالة، فتأخذ من حقوق الأفراد بعضها، لتوفر أغلى وأهم احتياج إنساني الآ وهو الشعور بالأمان.
مضاد الأمان الجزع والخوف. جربنا الخوف كلنا جميعا مع أحداث ٢٠١١، فتوترت حياتنا، وخرجنا نحرس بيوتنا وشوارعنا. لقد انعدم القانون وقتها لعام بأكمله، وسقط بقبضة عصابة منظمة تتشح بالدين. الآن توجد دولة، وتوجد حكومة، ويوجد قانون.. وفوضى!
فوضى وحوادث
كيف يستقيم أن تكون الفوضى نتاج وجود حكومة ودولة وقانون؟! يستقيم جدا حين يغيب الردع، إذ يسقط المنطق، ويوقن المواطن، بدرجاته وفئاته وتعليمه وجهله وثقافته وغناه وفقره، أن لا أحد يرى ويحاسب ويستوقف ويعاقب. لا نتحدث عن وهم ولا عن مجتمع نراه عبر الحدود، بل مجتمع نحن جزء منه، تحول إلى شخوص متحفزة، متوترة، فالطرق السريعة مباريات سباق، والطرق الداخلية سيرك، ولا حساب، إلا إذا تحطمت السيارات وسقط الضحايا ولمعت الدماء فوق الأسفلت.
عندئذ يحتشد الناس وتحل بهم إنسانية مفاجئة، وكلهم كلهم جناة، فمنهم من يقود بجنون، ومنهم من يسب ويلعن ومنهم من يغش ويسرق، ومنهم من يهدد ويتنمر.. الأعراض ليست جديدة، فنحن نعاني مما يحدث لنا منا بأيدينا، وكلنا نشكو وكلنا جناة، والحكم غائب، لأنه مثقل بالأعباء. لقد تحقق الأمن السياسي بقدر عظيم، لكن أمن المجتمع، أمن الشارع لا حضور ساطع له ولا مؤثر.
يمكن أن تتعرض للتثبيت، تعبير عن السرقة بالإكراه، وتنظر حولك تستغيث عيناك فلا تجد شرطيا واحدا سريع التدخل. على الحكومة أن تحضر بقوة، وأن تفرض الانضباط على الجميع بلا هوادة، وأولى الخطوات منع الكلاكسات، واستعادة فرق الملاحقة المرورية على الطرق السريعة وعلى الدائرى والمنيب ويتم ذلك كذلك بالمحافظات وشوارعها وطرقاتها وطرقها السريعة فيما بينها، وإيقاف مجانين القيادة والمهووسين بالسرعة، والرعونة، ومصادرة التكاتك التى تحولت إلى مكبرات صوت تنشر التلوث السمعي وتفرض ثقافة منحطة.
على الحكومة أن تعيد للشارع المصرى الهدوء والوقار والنظافة، عندئذ تهدأ الأعصاب وتسترخي وتسكن الألسنة خامدة في الأفواه، فلا تشتم ولا تلعن ولا تهدد وتتوعد. الانضباط هو شعور كل مواطن بأن القانون فوق رأسه، يحاسبه إن نال من حقوق غيره ومن حق البلد أن تكون متحضرة، بدون هذا قد تكون المباني جميلة والكباري أجمل، لكن الإنسان قبيح اللسان منحط السلوك. فرض القانون يريح الجميع، المهم أن يكون الإلزام دون انتقاء.