مافيش تعليم مجاني فى مصر
هل نستطيع القطع بأن الحكومة المصرية قد كفرت بمجانية التعليم التى كفلها الدستور وكانت أحد مكاسب ثورة يوليو 1952، وأن حالة التردى التى يعانى منها التعليم الحكومى على مدار السنوات الماضية متعمدة، وأن الاتجاه غير المعلن يسير نحو فتح الباب على مصراعيه للمؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية، بشكل لن يجعل التعليم بمراحله المختلفة متاحا فى مصر سوى للأغنياء فقط؟!.
أؤكد أن السؤال حيوى وهام ويدور فى أذهان الجميع منذ سنوات، فى ظل حالة التراجع العبثية التى تشهدها منظومة التعليم الحكومى، وأعاد السؤال طرح نفسه بقوة من جديد مع بداية العام الدراسي الحالى الذى شهد عددا من المشاهد المؤسفة خلال ساعاته الأولى، كشفت عن مدى تدهور المنظومة التعليمية وطريقة معالجتها بقرارات لا تتعد أكثر من مسكنات لامتصاص غضب الرأي العام.
فمع بداية الساعات الأولى من العام الدراسي الجديد، شهدت مدرسة المعتمدية الإعدادية بنات بمنطقة كرداسة بالجيزة سقوط سور خرسانى أدى إلى وفاة الطالبة ملك محمد وإصابة 15 آخرين، تبعه إخلاء مدرسة قاسم أمين بمحافظة الإسكندرية من الطلاب وتوزيعهم على المدارس المجاورة بعد سقوط أجزاء من مبنى المدرسة، ثم تداول صور لكشوف أسماء طلاب إحدى مدارس محافظة القليوبية كشف عن وجود 119 طالبا بالفصل الواحد، وصور أخرى لفصول مدرسة المعابدة الابتدائية خالية من المقاعد والأطفال يفترشون الأرض، فى مشاهد كارثية عكست مدى الإهمال الذى تعانى منه منظومة التعليم الحكومى فى مصر.
تطوير التعليم
وما يدعو للعجب، أنه بدلا من الاعتراف بتهالك وتدهور المنظومة، سارع المسئولون بتحميل المسئولية لمديرى المدارس والعاملين الذين لا يملكون من أمرهم شيئا، وتشكيل لجان تنبثق عنها لجان للتحقيق، وتكليف هيئة الأبنية التعليمية بمراجعة السلامة الإنشائية للمدارس، وكأن العام الدراسي قد هبط على مصر فجأة. والكارثة الأكبر أن المسئولين بدأوا في البحث عمن سرب الصور إلى وسائل الإعلام.
للأسف أن الحقيقة المرة التى يتجنب الجميع الاعتراف بها، أن الأغلبية العظمى من المدارس الحكومية في مصر بات خارج نطاق الخدمة، وانه لا يوجد فصل أو مقعد أو حمام آدمى بتلك المدارس يسمح للمدرس بالعمل أو للتلميذ بتلقي العلم، فى مشهد يختلف تماما عما هو موجود بالمدارس الخاصة والأجنبية.
أعى أنه من الظلم تحميل الحكومة الحالية كافة تبعات تدهور منظومة التعليم الحكومي، ولاسيما وأنها جاءت نتيجة تراكمات خلفتها عهود ماضية، غير أنها لابد أن تدرك أن التعليم أساس لعملية التنمية، وأنه لا تقدم لأمة دون الارتقاء بكامل منظومته، وأن تركها على ذات صورتها المتخلفة قد يؤدى إلى تدمير لكافة عمليات البناء والتنمية، لأنها باختصار لن تنتج سوى جيل متخلف بلا وعى.
الملفت للنظر، أن تدهور منظومة التعليم الحكومى فى مصر لم يستفز المصريين فحسب، بل استفز البنك الدولي ذاته، لدرجة أنه أصدر في الثالث من أكتوبر الجاري تقريرا حذر فيه من تراجع الإنفاق على التعليم في مصر، مؤكدا أن النقص الحاد في أعداد المعلمين والفصول قد يضع المنظومة بأثرها تحت ضغط، ولاسيما وأن مصر تمتلك العدد الأكبر من الطلاب فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 24 مليون طالب، يدرس نحو 90% منهم فى المدارس الحكومية.
لا خلاف على أن تطوير التعليم في مصر يشهد منذ سنوات كثيرا من الكلام قليلا من الفعل، وهو ما دعا وزير التعليم السابق للاعتراف بأن المنظومة تعانى من نقص يقدر بربع مليون معلم، وجعل تقرير البنك الدولى يشير بانزعاج إلى التفاوت الرهيب بين اكتظاظ الطلاب بالفصول والنقص الحاد في أعداد المعلمين، مؤكدا أن مصر فى حاجة ماسة لبناء نحو 117 ألف فصل دراسي خلال السنوات الخمس القادمة، وهو ما أرى امكانية تحقيقه فى ظل الرقم الضخم الذى يستحوذ عليه التعليم فى الموازنة الجديدة والذى يبلغ 2.5 مليار جنيه، غير أن الواقع يقول أنه عادة ما يتم توجيه أغلب مخصصات التعليم إلى مشروعات وهمية لا وجود لها سوى على الورق مثل الأنشطة الصيفية بالمدارس، وأخرى فاشلة مثل التابلت الذى لا يعلم أحد فى مصر حتى اليوم من المستفيد منه في ظل شكوى الجميع من جودة الانترنت.
أؤكد أن الشفافية تحتم الاعتراف بأنه لا تعافى لمنظومة التعليم في مصر سوى باعتبارها مشروعا قوميا لا نهوض للبلاد سوى بانجازه، وأن إهمالها كان الدافع الأول وراء هجر الطلاب للمدارس واللجوء للدروس الخصوصية التى تستنزف من دخل الأسرة المصرية ما يزيد عن 136.474 مليار جنيه سنويا - طبقا لتقدير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى عام 2020 - وهو ما يعكس حجم العبء الثقيل الذى ألقاه تراجع المنظومة على الفقراء، وكشف بشكل صريح عن نهاية التعليم المجاني فى مصر.. وكفى