ارحموا براءة شنودة
أعتقد أن أقل مبادئ الإنسانية والعدل تحتم على الحكومة والبرلمان ضرورة التحرك سريعا لحل أزمة الطفل شنودة الذى أثارت قصته كثيرا من اللغط، بعد انتزاعه من أحضان أبوين لا يعرف سواهما، ووضعه يتيما عرضة لمستقبل مظلم فى دار رعاية لا مكان فيها للرعاية، تنفيذ لبنود قانون أعمى لا يعرف معنى للرحمة ولا يعترف بمشاعر.
ولآن قضية الطفل شنودة شهدت كثيرا من الجدل بين مؤيد لنزع الطفل من أحضان والديه بالتبنى من منطلق دينى وقانونى - ولأصحاب هذا الرأى كل الحق- وبين معارض للخطوة من زاوية إنسانية تتعلق بمستقبل الطفل ومشاعر أبوين - ولأصحاب هذا الرأى أيضا كل الحق- فقد فضلت التريث وعدم الكتابة انتظارا للتعرف على أراء الجميع، أو نتهاء المعنيين إلى حل موضوعى يحفظ للطفل براءته التى لم تدرك بعد معنى للدين أو القانون.
وقد بدأت قضية الطفل شنودة في عام 2018 عندما عثر أحد رعاة كنيسة العذراء مريم بمنطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة، على طفل حديث الولادة ملقى بحمامات الكنيسة، فى الوقت الذى كان يتردد عليها الزوجان فاروق فوزى بولس، وآمال إبراهيم ميخائي للدعاء بأن يرزقهما الله بطفل بعد رحلة زواج امتدت لـ 26 عاما.
فسارع راعى الكنيسة من منطلق إنساني بالاتصال بالزوجين، وقص عليهما قصة العثور على الطفل، وعرض عليهما فكرة تبنيه، وبالفعل طار الزوجان فرحا بالطفل الوليد، وسارع فاروق الميسور الحال بتسجيل الطفل شنودة باسمه، وعاش بينهما في سعادة لمدة 4 سنوات، لم يعرف خلالها أب سوى فاروق الذى يلبى له كل ما يريد، أو أم غير آمال التى تمنحه كل الرعاية والحب والحنان.
أزمة الطفل شنودة
غير أن الرياح اتت بما لا يشتهى الطفل شنودة وابواه، بعد أن تقدمت ابنة شقيقة فاروق ببلاغ إلى قسم شرطة الشرابية حمل رقم إدارى4611 لسنة 2022 اتهمت فيه خالها وزوجته باختطاف الطفل وتزوير شهادة ميلاد باسمه، لتنقلب حياة الأسرة فجأة إلى جحيم، حيث استدعت الشرطة الزوجين اللذان أقر بحقيقة عثورهما على الطفل وكيف كان يرعيانه ومدى تعلقهما به، غير أن النيابة قررت نزع الطفل شنودة من حضانته الزوجين، واعتبرته مسلما، واسمته يوسف واودعته إحدى دور رعاية الأيتام، وبرأت فاروق وآمال من تهمة التزوير لحسن النية.
قرار النيابة -الصحيح قانونا- ألقى بالطفل البريء وسط عاصفة سوداء، لا قدرة لعقله الذى لم يعرف بعد معنى للدين أو القانون على إدراك ابعادها، بعد أن انتزعته فجأة من أحضان والدان يمنحانه كل مشاعر الحب والحنان، إلى مصير غامض بين جدران دار قاسية لرعاية الأيتام، فى الوقت كان هبط فيه القرار على فاروق وآمال كالصاعقة، لدرجة أن آهاتهما هزت مشاعر أغلب المصريين، ولاسيما بعد أن رفضت وزارة التضامن كل طلباتهما لتبنى الطفل، وظهرا عبر وسائل الإعلام يعتصران حزنا على فراق صغيرهما، لدرجة جعلت الأب يقرر كتابة كل ما يملك بإسم الصغير سواء صار مسلما أو مسيحيا.
لا خلاف بالتأكد على أن النيابة قد طبقت مواد الدستور والقانون فى قضية الطفل شنودة سابقا ويوسف حاليا، واسندت فى اعتباره مسلما للمادة الثانية من الدستور، وقانون التبني، الذى يعتبره فى تلك الحاله فاقدا للأهلية ومسلما بالفطرة، إلا اذا اكتشف يوما أن أسرته مسيحية فيجوز له تغيير اسمه وديانته.
كما أنه لا خلاف أن الحسم القانونى فى تلك القضية يعود لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 ونظام الأسرة البديلة الذى نصت التعديلات على لائحة التنفيذية في عام 2010 على "إلحاق الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية خاصة مجهولي النسب، بأسر يتم اختيارها وفقًا لمعايير، على أن تكون ديانتها ذات ديانة الطفل، الذى كفل القانون للأسرة الكفيلة المسلمة حق منحة إسم العائلة فقط وليس إسم الأب كاملا تجنبا لإختلاط الأنساب عملا بأحكام الشريعة الإسلامية، فى حين سمح للأسر المسيحية بذلك الحق.
العقل يقول سواء أصبح الطفل يوسف أو شنودة فلن يزيد أو ينقص من إعداد المسلمين أو المسيحيين شيئا، غير أنه ليس من الإنصاف الانحياز ضد براءة طفل والقذف به إلى مصير مجهول من منطق دينى، دون النظر إلى ما سيعانيه من مرارة وذل ومستقبل غامض خلال وجودة لسنوات فى دار للايتام، وإلا فكان الاجدار بأى ممن انحازوا لذلك المنطق عدم الاكتفاء بالكلام والتقدم لتبنى الطفل ومنحه كامل ثروته مثلما أعلن فاروق.
أؤكد أن أقل مبادئ العدل تقتضي تحرك الحكومة والبرلمان من منطلق آدمى وإنسانى لإنقاذ الطفل وحماية براءته من قسوة العيش يتيما فى دور رعاية لا مكان فيه لرعاية، وتسليمه لأبويه الذى لم يرى ولم يعرف سواهما منذ قذف به جاحدين إلى مجهول، والتحرك لإجراء تعديل سريع لقانون الطفل ينتصر لآهات أم شنودة حتى وإن اشترط التعديل عرض الطفل على لجنة يقر أمامها برغبته فى اعتناق الديانة التى تتناسب وقناعته عند بلوغه السن القانونى.. وكفى.