انتبهوا أيها السادة
عندما تصل معاناة المصريين الاقتصادية إلى حد الدفع بأطفالهم إلى الموت أملا فى تأمين لقمة عيش آمنة، فإن خطورة الأمر تحتم على الحكومة ضرورة التوقف ومراجعة كثيرا القرارات المرهقة التى أدت بالفقراء إلى الزج بأبنائهم إلى هلاك محقق، بحث عن حياة آدمية تقيهم مرارة الجوع وزل الحاجة. فمنذ أيام اهتزت مشاعر المصريين ألما لوقائع فيديو يظهر لحظة قيام السلطات الليبية القبض على 287 طفلا مصريا تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاما، اخفتهم إحدى عصابات الهجرة غير الشرعية داخل مخزنا بمدينة طبرق الساحلية الليبية، بعد تهريبهم من مصر عبر الصحراء فى رحلات مرعبة استمرات لأيام وليالي..
ذاقوا خلالها كل أنواع العذاب من ضرب وجوع وإهانة، وانتهت بوصولهم إلى الأراضى الليبية، واخفائهم داخل مخازن غير آدمية لعدة أشهر، تمهيدا لشحنهم على أحد القوارب المتهالكة باتجاه السواحل الإيطالية، لينجو من ينجو، ويموت من يموت.
ولعل ما يدعو للحزن فى قصة هؤلاء الأطفال، أن أولياء أمورهم هم من قاموا بتسليمهم مع مقابل الرحلة لسماسرة فى مصر، لتهريبهم إلى الداخل الليبى، ثم تهريبهم عبر رحلات الهلاك داخل البحر، فى مشهد مأساوي يتكرر بشكل يومى ويعلمه الجميع، لدرجة أنه لا يكاد يمر يوما إلا ويفقد العشرات من الأطفال والشباب المصريين أرواحهم غرقا فى تلك الرحلات دون أن يدرى بهم أحد، أو يكون القدر رحيما ببعضهم ويتم انتشال جثتهم ويوارون الثرى غرباء دون هوية.
فخلال الشهر الماضى فقدت قرى تطون والسعدة وعزبة روفان وعزبة زنكت وعزبة زكي التابعة لمحافظة الفيوم 13 شابا من أبنائها دفعة واحدة، بعد أن لقوا مصرعهم غرقا خلال رحلة هجرة غير شرعية ضمت 29 فردا، انطلقت من الشواطئ الليبية فى طريقها إلى إيطاليا، غير أن المركب تحطمت فى عرض البحر وغرقت بكل من عليها.
نسبة كبيرة
وكانت السلطات الليبية قد سبقت ذلك الحادث، بالكشفت عن غرق 27 مصريا آخرين، كانوا على متن مركب في طريقهم إلى إيطاليا، وتبين فيما بعد أن أغلبهم من أبناء قرية الحوض الطويل التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، وهو ما تكرر قبلها بأيام أيضا مع 6 مصريين بينهم 5 أطفال من أبناء مركز أبنوب التابعة لمحافظة أسيوط.
للأسف أن ذات السيناريو المأسوى قد تكرر الآف المرات خلال السنوات العشر الماضية، وتحديدا بعدما فقد السلطات الليبية السيطرة على شواطئها عقب سقوط نظام القذافى، حيث لقى الآف الشباب والأطفال المصريين مصرعهم جوعا وعطشا وغرفا فى عرض البحر المتوسط، ومازال ذويهم يعتقدون أنه قد تم اعتقالهم أو اخفائهم قصرا داخل الأراضي الليبية.
غير أن الحقيقة المرة التي تعلمها الخارجية المصرية، أن الآف المصريين الذين تم الإبلاغ عن اختفائهم في ليبيا خلال السنوات الأخيرة قد ماتوا غرقا في رحلات هجرة غير شرعية، وأنه بالبحث عنهم بالتعاون مع السلطات الليبية، وجد أنه لم يسجل دخلول أى منهم إلى ليبيا، غير أنهم دخلوا البلاد بالفعل بشكل غير شرعى، وغرقوا دون التعرف على هوية أى منهم.
الواقع يقول إن مصر قد نجحت خلال السنوات الأخيرة من القضاء على ظاهرة مراكب الهجرة غير الشرعية عبر اراضيها، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى تقديم مبلغ 80 مليون يورو دعما للحكومة المصرية لتعزيز جهودها فى هذا المجال، غير أن الثابت أنه هناك المئات من سماسرة رحلات الموت مازالوا يعملون داخل مصر فى أمان، ويمارسون عملهم عبر الحدود مع ليبيا بشكل يومى، لدرجة أن وزيرة الهجرة السابقة قدرت عدد المصريين المهاجرين بشكل غير الشرعي سنويا بنحو 14 ألف مهاجر.
وعلى الرغم من أن تصريح الوزيرة السابقة يعد في حد ذاته كارثة، إلا أنه لم يضع الوصف الكامل لحقيقية المأساة على الأرض، والتى جسدتها التقارير الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتى أكدت فى مايو الماضي أن المصريين يحتلون صدارة الجنسيات العربية والافريقية، والترتيب الثاني عالميا بعد بنجلاديش، بين المهاجرين بطريقة غير شرعية إلى السواحل الإيطالية.
ولم تتوقف مأساة هروب المصريين عند هذا الحد، حيث أكد تقرير صادر عن الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل أن المصريين هم الأكثر عددا فى العالم بين الملقى القبض عليهم عند محاولاتهم دخول الأراضي الأوروبية، لدرجة أن الفترة من يناير وحتى مايو الماضي سجلت إلقاء القبض على 3292 مصري مهاجر غير شرعي.
وبصرف النظر عن كل التقارير الكارثية السابقة، فإنه لا يمكن مقارنتها بالتقرير المحزن الصادر عن وكالة اللجوء الأوروبية الذى وضع الأطفال المصريين فى صدارة أطفال العالم إقبالا على رحلات الهجرة غير الشرعية، وقدر نسبتهم ب 21% من إجمالي عدد المهاجرين الذين وصلوا بشكل غير شرعى إلى السواحل الإيطالية خلال الشهور الاربعة الاخيرة، بل وزادت على ذلك بأن طفلا بين كل ثلاثة أطفال تم ضبطهم على السواحل الإيطالية كان يحمل الجنسية المصرية.
يبقى فقط التأكيد على أن كافة التقارير الاوربية قد قطعت بأن المصريين يلقون بأنفسهم وأبنائهم فى رحلات الموت بسبب الفقر وضيق العيش وذل الحاجة، واللهم لا إعتراض.. وكفى.