رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة وليست معركة!

إذا نجحنا في استدعاء روح أكتوبر، روح التحدي، فسوف نستطيع بلا شك عبور أزماتنا.. ذلك أن انتصارات أكتوبر- كما يقول أديب نوبل نجيب محفوظ- ثورة وليس معركة فحسب؛ فالمعركة صراع قد ينتهي بالنصر أو غيره لكن الثورة وثبة روحية تمتد في المكان والزمان حتى تحقق الحضارة. إنها رمز لثورة الإنسان على نفسه وتجاوزه لواقعه وتحديه لمخاوفه ومواجهة لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا. إن روح أكتوبر لا تنطفيء، وقد فتحت طريقًا بلا نهاية ليس العبور سوى قفزة في تيار التحديات.


انتهى كلام أديبنا العظيم لكن الأسئلة لم تنته بعد وستظل تدق رؤوسنا بعنف: فهل بقيت جذوة النصر متوقدة فينا فلم نفسد، أو نتخاذل أو نخذل وطننا حتى تخلف وساءت أحواله.. لماذا توارت روح التحدي في عقود ما بعد النصر.. ولماذا تكررت نكباتنا حتى بعد ثورة 30 يونيو التي أزاحت حكم الإخوان؛ فزادت الفتن وكثرت الانقسامات وشاع الجدل والشائعات والاستقطابات، واعتلت صحتنا ولا يزال تعليمنا يراوح مكانه، واقتصادنا يمر بأسوأ مراحله؟!


لماذا عجزنا عن الحفاظ على الروح الحضارية الكامنة في جيناتنا، وهي روح أبهرت العالم حين تصدينا للجماعة الإرهابية.. وهو ما يبعث على الأمل في استلهام تلك الروح من جديد لعبور ما يحيط بنا من أزمات بعضها فوق بعض، بعضها من صنع أنفسنا وفساد أخلاقنا وتراخينا.. وبعضها مستورد تسببت فيه جائحة كورونا ثم الأزمة الأوكرانية وما خلفته من تداعيات اقتصادية مريرة لكل دول العالم.

روح أكتوبر


ويبدو حتميًا في سياق كهذا أن نستعيد الأمل والثقة في بعضنا البعض، والمصداقية التي تحاول القيادة السياسية غرسنا فينا بوحي من روح أكتوبر التي توارت لكنها لم تمت أبدًا.. بل تحتاج لمن يبعثها من مرقدها في عموم الناس وهي روح لا تزال متقدة في مؤسستنا العسكرية، نلمس أثرها بوضوح في كل إنجاز تحققه.. وما أكثر ما حققته من إنجازات في ملفات كثيرة أخفقت فيها مؤسساتنا المدنية إلى جانب اضطلاعها بدورها الأصيل في حماية الأرض والعرض.. لكن  البعض للأسف يصر على إنكار هذا الدور والتشكيك فيه بقصد الإساءة إليها والنيل منها.. لكن هيهات هيهات لما يريدون!!


لقد ظلت روح أكتوبر متوهجة في وجدان جيشنا الذي نجا مما أصاب الشخصية المصرية من تجريف وحافظ على انضباطه وقوته وعقيدته الوطنية وجاهزيته القتالية وتنوع تسليحه وتنفيذه لأعقد المشروعات في سرعة وإتقان هو مضرب الأمثال؛ فضلًا على إنتاجه ما يكفيه من مؤن وعتاد وإسهامه في إشباع احتياجات القطاع المدني.. أليس ذلك باعثًا للأمل والطمأنينة أننا نستطيع عبور التحديات الراهنة بمثل هذه الروح التي يتحلى بها شعبنا العظيم؟!


صحيح أن هذه الروح غائبة في أغلب قطاعات الدولة ولم يكن أداؤها على قدر طموح الرئيس ولا متطلبات المرحلة.. لكن ابتعاثها ليس أمرًا مستحيلًا بل ممكن إذا ما نجحنا في استعادة القدوة في كل مجال والهمة في كل نشاط وعادت أخلاقنا الأصيلة تتحدى محاولات العبث والتشويه والتذويب.. ساعتها يمكن أن ننتج غذاءنا ودواءنا وجميع احتياجاتنا ونوفر مليارات الدولارت التي تنفق في الاستيراد.

 


يبقى أن انتصارات أكتوبر لا تزال تخفي الكثير من أسرار العظمة والتضحيات وهو ما نرجو أن توليه الشركة المتحدة اهتمامًا مناسبًا لإنتاج عمل فني جامع يليق بهذه الحدث الجلل الذي يمكنه استعادة هذه الروح الغائبة.. فكل منا جندي في معركة البناء والبقاء ولن ينهض وطننا إلا إذا ضاعفنا الجهد والإنتاج واحتكمنا للعلم والمعرفة والتخطيط السليم لأولوياتنا.

الجريدة الرسمية