غلاء غلاء غلاء.. رحمتك يا رب
نتيجة لإعلان بعض الشركات عن زيادة سعر منتجاتها بسبب زيادة في ضريبة القيمة المضافة اضطرت مصلحة الضرائب لإصدار بيان أكدت فيه أنه لم يتم إصدار أي قوانين جديدة بزيادة الضريبة على القيمة المضافة حتى تتخذها بعض الشركات ذريعة لرفع أسعار بعض منتجاتها، على النحو المتداول ببعض المواقع الإخبارية الإلكترونية في سياق إعلان عدد من الشركات تحريك أسعار بعض سلعها. وذكرت مصلحة الضرائب أن إقرار أي زيادة في الضرائب لا يكون إلا بنص قانوني بعد موافقة مجلس النواب، وأن سعر الضريبة على القيمة المضافة ثابت كما هو ولم يخضع لأي تعديلات، وطالبت المصلحة الشركات بالتحلي بمزيد من المسئولية الوطنية، وعدم اتخاذ الضريبة على القيمة المضافة ذريعة لرفع أسعار منتجاتها.
وهذا البيان المفيد من المصلحة يجعلني أوجه الشكر لها على ذلك، ثم يجعلني ألتفت لأسباب رفع الشركات لأسعار بعض منتجاتها وإلصاق ذلك بالقيمة المضافة، رغم أن الكثير من الشركات لديها الحجج القوية والطبيعية لرفع أسعار منتجاتها، فعلى سبيل المثال تحدث إلي أحد أصحاب شركة للعصائر لها سمعتها الطيبة في السوق المصري والعربي، وذكر لي معاناته الشديدة في الوقت الحالي حيث فوجئ بقرار الحكومة بوقف الاستيراد لكافة المنتجات وهو يستورد علب العصير من الخارج من شركة شهيرة، وما لديه من مخزون لن يكفي الإنتاج..
ولذلك يضطر إلى شراء الكثير من هذه العلب من السوق الداخلية بأسعار جنونية؛ مما يجعله في مأزق، فهل يرفع سعر المنتج النهائي بعد تحميله فارق الأسعار أم يحافظ على سعر المنتج ويخسر وقد يغلق مصنعه؟ فهو مضطر لرفع سعر المنتج ليعوض ارتفاع أسعار الطاقة والورق والعلب والشحن والعمالة والتوزيع الخ وإلا سيغلق مصنعه. إذا فهناك أسباب كثيرة تضطر المصانع والشركات لرفع أسعار منتجاتها خاصة وأن الحكومة لا تمد لهم يد العون لأن الحكومة تريد من يمد لها يد العون في الأساس..
إرتفاع الأسعار
وهذا الأمر ليس محليا فقط وإنما عالميا كذلك، فيعاني الناس في مختلف دول العالم من ارتفاع تكاليف المعيشة يوما بعد يوم، فثمن كل شيء يرتفع بشكل جنوني، من أسعار السكر والأرز والزيت والفواكه والخضروات في البقالة، وحتى ثمن التدفئة أو التبريد. ولا توجد دولة واحدة في هذا العالم نجت من ارتفاع الأسعار من الدول الكبرى والغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي إلى الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا.
ففي الولايات المتحدة، مثلا، ارتفعت أسعار المستهلك عند مستوى لم تشهده أميركا منذ عام 1982، ومع هذا الارتفاع المهول زادت تكلفة كل شيء تقريبا، من حفاظات الأطفال إلى الغذاء وأسعار السيارات، وكذلك تكاليف النقل والعمالة، مما يجعل التضخم هو الكلمة الطنانة في الوقت الحالي، كما ذكرت شبكة "سي إن إن" (CNN) في تقرير لها مؤخرا.
أما في الدول النامية والفقيرة فالأمر أكثر سوءا بكثير، فقد ذكر تقرير صدر عن البنك الدولي في العام الماضي أن أكثر من 100 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وازداد الأمر سوءا هذا العام مع النقص الحاد في إمدادات القمح والغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
الجميع يعاني، والجميع يدفع المزيد والمزيد من الأموال كي يحصل على السلع الضرورية لاستمرار الحياة. وما يزيد من تفاقم الأمر هو أن ارتفاع هذه الأسعار لم يرافقه ارتفاع مماثل في الرواتب والأجور التي بقيت على حالها تعاني كما يعاني أصحابها. وترجع أسباب هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار وتكاليف الحياة اليومية في كل أرجاء العالم إلى عدة أسباب منها ارتفاع أسعار الطاقة..
حيث تراجعت أسعار النفط في بداية الوباء، لكن الطلب عاد إلى الارتفاع منذ ذلك الحين، ووصل إلى أعلى مستوى له في 7 سنوات. وتبلغ تكلفة البنزين في الولايات المتحدة حاليا 5 دولارات للتر في المتوسط، وذلك ارتفاعا من 2.39 دولار للتر قبل عام، وتتكرر القصة في دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم. كما ارتفعت أسعار الغاز أيضا تاركةً الناس في جميع أنحاء العالم يعانون من فواتير التدفئة المركزية التي أصبحت عالية بشكل لا يكاد يصدق.
كذلك النقص الحاد في البضائع والسلع من أسباب ارتفاع الأسعار، فالمستهلكون الذين بقوا في منازلهم خلال فترة الإغلاق أثناء الجائحة شغلوا أوقاتهم بالإنفاق على الإصلاحات المنزلية والسلع اليومية، ولم يذهب عشرات ملايين العمال إلى المصانع التي أغلق معظمها، أو عمل بشكل جزئي أثناء فترة الإغلاقات الطويلة أيام الجائحة، وهذا أدى إلى نقص كثير من المواد التي كانت تنتجها هذه المصانع، مما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم السلع، من البلاستيك إلى الخرسانة والحديد والصلب، وصولا للمواد الغذائية مثلا..
إرتفعت قيمة الأخشاب بنسبة 80% عام 2021 في المملكة المتحدة عن قيمتها قبل الجائحة، ووصلت إلى أكثر من ضعف سعرها المعتاد في الولايات المتحدة، وقام كبار تجار التجزئة الأميركيين برفع أسعارهم بسبب ارتفاع تكاليف سلسلة التوريد. وتأتي تكاليف الشحن ضمن أساب ارتفاع الأسعار فلقد أنهكت شركات الشحن العالمية -التي تنقل البضائع حول العالم- بسبب ارتفاع الطلب بعد الوباء، وهذا يعني أن تجار التجزئة اضطروا إلى دفع الكثير من المال للحصول على هذه السلع وإيصالها للمحلات والمتاجر، وطبعا -وكما هي العادة دائما- تم تحميل هذا الفرق في أسعار الشحن للمستهلكين والناس العاديين.