صندوق النقد والغلابة!
وهى تتحدث عن المفاوضات الجارية منذ بضعة أشهر مع مصر.. كشفت مديرة صندوق النقد الدولى أن الصندوق طلب من الحكومة المصرية مزيدا من الحماية الاجتماعية للغلابة والفقراء في مصر! وقد يثير ذلك دهشة البعض لآن برنامج الصندوق دوما يتضمن أعباء أكثر على الفقراء وحتى أبناء الطبقة المتوسطة، لآنه يشمل تخفيضا للعملات الوطنية وتخفيضا من الدعم خاصة العينى للسلع والمواد البترولية بل والسلع الغذائية أيضا.. لكن الذين يتابعون تطور أعمال صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة هو والبنك الدولى سوف يتبين أن تلك المؤسسات الاقتصادية الدولية قد راجعت مواقفها وبرامجها لتحقيق الإصلاح الاقتصادى، وصارت تتبنى نهج مد مظلة حماية اجتماعية للفقراء.
وهذا تغير بلا شك في نهج تلك المؤسسات، ولكنه ليس تغيرا في جوهر برامجها الاقتصادية التى اعتادت أن تقدمها لكل من يلجأ لها طالبا العون والمساعدة المالية والدعم في أسواق الاقتراض العالمية، وإنما هو سعى لتوفير ظروف ومناخ مناسب لتمرير وتنفيذ برامجها للإصلاح الاقتصادى، سواء النقدى والمالى أو الهيكلى.. فإن الصندوق لم يغير من انحيازاته الاجتماعية وأفكاره الاقتصادية وإنما هو فقط صار يراعى تخفيف أعباء برامجه للإصلاح الاقتصادي على الفقراء والغلابة من خلال مد مظلة حماية اجتماعية لهم..
وبالطبع ثمة فارق بين انتشال الفقراء من فقرهم وبين تخفيف وطأة برامج الإصلاح الاقتصادي عليهم والتى لا تغير من أحوالهم المتردية.. أى هناك فارق بين علاج المرض للتخلص تماما منه وبين مجرد تخفيف الآثار الجانبية لما يتجرعه المريض من عقاقير!
ولكى نتأكد من ذلك يمكننا مراجعة تجارب الدول مع صندوق النقد الدولى.. فهى لم تحرز اختراقا لمشكلة الفقر أو تقدما ملفتا في مكافحة الفقر، بل إن الفقر تزايد في بعضها لآن برامج الحماية الاجتماعية التى نفذتها لم تكن تستهدف انتشال الفقراء من فقرهم وإنما تخفيف تداعيات الإصلاح المتفق عليه مع الصندوق على الفقراء ليتجرعوا هذا الإصلاح بمرارة أقل!