صعود اليمين الشعبوي فى أوروبا
تتسارع الأحداث في القارة الأوروبية على عدة جبهات، وربما كانت جبهة الحرب الروسية الاوكرانية التى دخلت فيها أوروبا بالسلاح والمعلومات والمدربين والمخططين والخبراء، دون المجازفة بمواجهة سافرة مع روسيا، هى أبرز ما لفت النظر من تداعيات خطيرة تتسارع وتيرتها في أجواء أزمة اقتصادية طاحنة.. أوقات المحن الكبرى، وبخاصة تلك التى تتهدد فيها أرزاق الناس، وتنحسر عنهم سنوات الرفاهية، تبدأ الشعوب في مراجعة منظومة القيم التى عاشت في ظلها لسنوات طويلة، لترى إن كان ما يقع لها نتيجة منطقية ومستحقة بسبب من منظومتها الديمقراطية، أم بسبب من عوامل خارجية.
على هذه الخلفية يمكن مناقشة الصعود المتسارع أيضا لأقصى اليمين في عدة دول أوربية من السويد إلى إيطاليا والمجر وهولندا. فقد حقق اليمين القومي المتطرف قبولا شعبيا ملحوظا دفع به إلى الحكم..
تلجأ الشعوب عادة إلى الاحتماء برداء التطرف اليميني حين تتحسس تهديدا عرقيا عميقا وممتدا، ينال من هويتها الأصلية ويصيبها بتغيرات وتحولات في ملامح الشخصية الوطنية، وليس سوى الإسلام السياسي في أوروبا عدوا للأوروبيين، رغم ما يعلنون من سياسات عن التنوع والمساواة، وإتاحة الفرص.
الهوية الوطنية
لم تعد الإسلاموفوبيا، الخوف المرضي من الإسلام مجرد شعار يتردد، ويمارسه متطرفون ضد الجاليات المسلمة، بل صار موضع فصل وحسم عبر الصندوق الانتخابي، فالمواطن الأوروبي يرى في المهاجرين من المسلمين خطرا على فرص العمل والكسب، ومزاحمة في حياتهم، وممارسات وطقوس غريبة عن تقاليدهم ودينهم، بل أن المتطرفين من المسلمين بلغت بهم البجاحة أنهم يكفرون المجتمعات التى فتحت لهم أبواب العمل والمعيشة ومنحتهم الجنسية، ويعتبرون أنفسهم في مهمة تبشير داخل المجتمعات المسيحية فى أوروبا. لقد خلقوا مجتمعات مضادة للمجتمعات الأصلية التى وفدوا إليهم.. وهذا تعبير معروف للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
الحفاظ على الهوية الوطنية هو المحرك الرئيسي لكل الأحزاب اليمينية الرافضة لقوافل وجماعات المهاجرين، وكثير من الحكومات القادمة عبر تذكرة التطرف فازت لأنها وعدت الناخبين برد المسلمين وإعادتهم الي بلادهم، وتخليص أوروبا من الإسلام. هكذا عادت النازية اليهود ولاحقتهم، وتنمو النازية في بقاع أوروبية عديدة، وفي ألمانيا يعلن النازيون الجدد عن نشاطهم، يطاردون المهاجرين. ليس كراهية الإسلام بسبب أفعال وممارسات جماعات إسلامية مسيسة متطرفة هى فقط المثير الأعظم لتصاعد اليمين المتطرف المضاد..
بل هناك محركان إضافيان أولهما صحوة النعرة العرقية المتبارية بالتفوق، وثانيهما غيرة متطرفة على الديانة المسيحية، فكأنها حرب أديان على أرض أعلنت التسامح، بل أرض فر مئات الألوف والملايين طلبا للعيش في القارة الجديدة عبر الأطلنطى، حتى بلغ منهم من مبلغ الحاكم والوزير والفنان والموسيقار لم تطردهم أمريكا، رغم أن اليمين الشعبوى أخذ بدوره في مطاردة ونبذ مهاجري المسلمين والمكسيكيين.
لست وحدك أيها الإسلام السياسي، فقد خلقت لك قوى مضادة، والحرب بينكم ثمنها دماء أبرياء هاجروا في أرض الله آمنين سعيا للرزق والنجاح فصاروا موضع الملاحقة والكراهية والتهديد بالطرد والتصفية.. صعود اليمين الشعبوي شديد التطرف خطر جامح، لأنه بلغ منصة صنع القرار في بلاده.. ونتابع.