رئيس التحرير
عصام كامل

العمر المسروق (2).. هذا هو اللص

ضاعت منا جميعا عشرة أعوام وعام منذ ٢٠١١، فأين ذهبت وكيف ذهبت ومن اللص؟ إن العمر المسروق ليس بضاعة محسوسة، ذات وزن، وذات كتلة، ولا هو مال يمكن تتبعه ومعرفة من سرقه، بل هو المسافة الزمنية التى قدرها لك الله لتقطعه منذ بدأت الروح فيك وأنت بعد جنين، إلى أن توسد الثرى! العمر مسافة زمنية، وكأي مسافة فهي سفر، لذلك تعتبر مدة عمرنا على الأرض سفرا ورحلة. 

 

وكأي سفر ورحلة فإن المسافر قد يشعر بالملل يمزقه، ويضجره، أو يشعر بأنه طار بين محطة الانطلاق ومحطة الوصول، فلم يشعر بالوقت، فنقول إن الوقت سرقنا، لكن الوقت ليس اللص، بل هو الضحية، هو المسروق. فمن السارق في الرحلة التى يمر علينا فيها ملل وضجر أو تخطفنا الساعات خطفا، فلا نشعر إلا بانتهاء العرض مع النفس الأخير؟


الأحداث هى الفاعل، هي الجاني، هي اللص. الأحداث هى ما يقع لنا ولغيرنا من حولنا، حسب القرب وحسب البعد، وحيث إن التقدم التكنولوجي الرهيب الحاصل حاليا جعل بيوتنا مفتوحة علي بعضها البعض من شرق الأرض إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها، فإن ما يقع للبشر في أي مكان صار حدثا يمسك ويمسني في بيتي وفي حياتي وفي نفسيتي وفي إحساسي بالوقت.


الجيل الذي عشته كانت أبرز الأحداث فيه مع نمو الوعي لدى، احتلال سيناء وغزة والجولان والقدس والضفة الغربية لنهر الأردن، حرب الاستنزاف، حرب أكتوبر، معاهدة السلام واغتيال السادات، ثلاثة عشرة عاما حافلة خاطفة زاخرة بالأحداث، وكنا بعد شبابا فلا حساب للوقت لاعتقادنا أن العمر لايزال ممتدا والرصيد كبيرا! ثم جاءت سنوات استقرار واستمرار طويلة دامت ثلاثين عاما، يمكنك أن تصفها بأنها استقرار الاستمرار وليس العكس، فقد كان الايقاع هادئا، رصينا، مطمئنا، ثم بطيئا مملا مضجرا ثم متعفنا، ثم تحت السطح كان تململ وكان فوران، فطفحت الأرض بالحمم والصرف الصحي معا!


عندئذ بدأ العرض المثير، ليس فقط ثلاثة أفلام عرض مستمر، بل١١ مستمرة متصلة بلا ملل ولا ضجر، بل رعب أكبر يتكشف كل يوم وفيلم جديد مخيف ينذر ويمهد لفيلم جديد، يرفع ليحل محله حدث أجدد وأخطر، ولاحظوا أن هذه الانفجارات الدرامية المتتالية لم تعد قط وفقط داخلية، بل الكوكب نفسه أخذ ينتفض والجنون مضى يعربد، فيحرق، ويشعل الحروب.

الوعي والزمن


كلنا نتساءل، في لحظات المراجعة والشجن، كيف يا ربى قذفت بي الأيام قذفا من سن الأربعين الى الخمسين، ومن الأخيرة إلى الستين، ولاتزال تقذف بنا عشرية وراء عشرية.. أين ذهبت هذه السنون، وكيف تسربت منا، ولماذا لم ندرك أن اللهفة هى حرق عمدى للعمر؛ إذ نتعجله أن يذهب ليأتي يوم لقاء موعود مع مال أو عشق أو سفر أو زواج أو وهم. 

 

اليائسون فقط، المنتظرون فقط هم من تمتعوا بالساعات الطويلة ضجرا وزهقا حقا لكنهم عاشوا وراقبوا كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم، أما المتعجلون المتلهفون عشاق الدراما من حولهم المنغمسون والمشاركون، فهم جزء من العملية، هم في قلب المشهد، بل هم أبطاله وهم جمهوره وهم ضحايا وهم فلاسفته فيما بعد..


كيف تسربت منا السنوات الأخيرة، وتتسرب القادمة فيما يبدو؟ إنها الدراما، علي الشاشة وفي الشارع السياسي والعسكري المحلي والإقليمي والدولى. المتابعون ينفقون أعمارهم في المتابعة، وكشأن أي فيلم فائق الإخراج والسيناريو، فأنت لا تشعر بالوقت، فما بالك والفيلم حي وعلى الهواء، يهز الأرض من تحتك هزا منذ بدأت خطيئة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، حتى الآن..

 

فيلم مصرى عربى إقليمي من تدبير خارجي، ثم سرعان ما امتد المشهد لمن دبر ومن أخرج الفيلم المصري العربي التخريبي، فإذا الكوكب يحترق، وإذا الطبيعة تثور، وإذا الاقتصادات تتداعي.. هل بعد ذلك تتساءلون كيف مضى العمر؟ من سرق العمر، من اللص؟


إنها دائما إشكالية الوعي والزمن. كلما اتسع الوعي ضاق الزمن. الزمن يضيق بالهرولة، باستعجاله، والبشر هم رداء الزمن وكساؤه وعلاماته، فعلى جلودهم ترتسم خطواته تجاعيد ووهنا وتخريفا أحيانا. هل لدي الحيوان زمن؟ هل لدى اللاهي الجاهل زمن؟ المغيب فاقد الوعى والحيوان الأعجم يتساويان.
 

 

لا تحزن إذن فأنت أنت إنسان واع.خير لك أن تعيش مسروق الوقت بالتفاعل من أن تعيش العمر ميت الشعور متبلد الإحساس، مخدر بالأوهام.. هيا بنا نتابع دراما المشهد الثاني من التحضير الروسي الغربي للحرب العالمية الثالثة.. هنالك فصل الختام يلوح في الأفق، فلا ملل ولا سفر!

الجريدة الرسمية