لسنا أغنياء لإهدار المستقبل والمليارات!
نعم نحن لسنا أغنياء لنهدر نحو 476.3 مليار جنيه في التعليم الجامعى وقبل الجامعى من موازنة الدولة كل عام، ومثلهم تقريبا يدفعهم الأباء في الدروس الخصوصية ومصاريف الدراسة.. والأكثر من ذلك ليس لدينا رفاهية لاضاعة المستقبل الذى لن يكون لنا فيه مجرد قدم بدون العلم الحقيقي، ولكن في البداية لابد أن يكون السؤال الجوهري والأساسي: لماذا نعلم أولادنا ؟
وبعيدا عن الاجابة الجوهرية نتعلم لكى نتطور.. تكون الاجابة التي أراها أعمق الآن وأكثر إلحاحا: نتعلم لكى نعيش!
فالفارق بين الانسان وغيره هو التعلم والتفكير، لكن أن يتحول الأمر إلى أن العلم وحده سيكون السبب للإستمرار فى الحياة ذاتها.. هنا لابد أن نتوقف جميعا وفورا..
فقد انتهى زمن الحياة عالة على الغرب، أو الآخر.. سيصبح كل شيء قريبا بثمن وقد يقترب من فقدان الحياة ذاتها إذا لم نتعلم ونبحث ونفكر ونصنع ونزرع بانفسنا، فلن يعطينا أحد ما نأكله أو نلبسه أو نعالج به أنفسنا في هذه الحياة إلا إذا دفعنا ثمنه!.. بإختصار لن يكون هناك تقدم أو حياة أصلا إلا بالعلم والعمل.. فماذا نحن فاعلون؟!
علينا أن ندرك الآن وليس بعد لحظة أنه قد إنتهى أويقترب من التلاشى عصر الأيدى العاملة الجاهلة أو غير المدربة في عصر الذكاء الاصطناعى الذى يدير فيه الروبوت أو يعمل أو يؤدى المهام التي يقوم بها مئات البشر في لحظات وليس في أيام أو شهور كما يفعل البشر.
أزمة الخريجين
أقول ذلك بسبب التزايد المستمر في أعداد المقبولين في الكليات والمعاهد النظرية في الجامعات الحكومية، ومما زاد الأمر كارثية إنضمام الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية والأجنبية وما شابه ذلك على خط الأزمة. وسألت نفسي وأسألكم جميعا: هل مصر في حاجة إلى عشرات الملايين من خريجي التجارة والحقوق والآداب والعلوم السياسية والإعلام وكافه العلوم النظرية، سواء من التحقوا لدراستها هذا العام أو الأعوام السابقة أو من سيلتحقون بها في الأعوام القادمة؟!
أولياء الأمور معذورون، لا توجد أمامهم فرصة لالتحاق أولادهم بالتعليم الجامعى سوى هذه التخصصات وفقا للمجاميع أو إمكانياتهم المادية، والجامعات الحكومية توفر أماكن محدودة في الداراسات العلمية إذا ما تم مقارنتها بالدراسات النظرية وفقا للامكانيات المادية الباهظة في إنشاء المعامل والورش، ويتم ترجمة ذلك إلى مجاميع في مكاتب التنسيق.
الجامعات أو المعاهد الأهلية والخاصة فتحت أبوابها على مصراعيها للدراسات النظرية للربح الشديد من جهة أو لعدم توافر الإمكانيات المادية لإنشاء المعامل والورش المختلفة من جهة ثانية، والنتيجة النهائية أن الكل خاسر.. الحكومة وأولياء الأمور والمستقبل.. والفائز الوحيد قد يكون أصحاب الجامعات والمعاهد الخاصة الذين يجمعون المليارات من الجنيهات في خدمة تعليمية لا حاجه لأحد بها حتى من دفع ثمنها.
أعتقد أن الاحتياج الحقيقي لتخصصات في كليات العلوم والطب والهندسة والتكنولوجيا والزراعة وعلوم الحاسب والبرمجة.. الخ من تخصصات نعرف جميعا حاجاتنا الشديدة إليها في سوق العمل الآن وعلى مدى السنوات القادمة ولن يمكننا التقدم بدونها.. أما العلوم النظريه فيكون القبول فيها محدودا جدا، تعالوا ندرس حاجاتنا مثلا في السياحة وتوسعاتنا فيها فنحدد أعداد المطلوبين لدراسة ما نحتاجه في الفندقة والإرشاد السياحى واللغات الاجنبية..
تعالوا ندرس ما نحتاجه لإنشاء نهضة صناعية فنحول معظم المعاهد والكليات النظرية إلى معاهد وكليات هندسية وتكنولوجية ونربطها بالمصانع الخاصة وغيرها، لا ننكر أن الحكومة بدأت في التوسع في إنشاء الجامعات التكنولوجية لكن أعتقد أن الخطوة الأكبر أن يتم تحويل معظم المعاهد والكليات النظرية إلى معاهد وكليات للتكونولوجيا الصناعية والزراعية والطبية.. الخ
وعلينا أن نفتح هذه المعاقل التكنولوجية لإجراء تدريب تحويلى لعشرات الملايين من الخريجيين الذىن يحملون شهادات عليا وفوق متوسطة نظرية إلى مؤهلات علمية وتكنولوجية وطبية للالتحاق بسوق العمل فورا، ويكون هذا الهدف أمامنا لآن الأسئلة الملحة كثيرة في مقدمتها: ماذا تستفيد الدولة بعد إنفاق الاف المليارات من الجنيهات على تعليم وتخريج ملايين العاطلين؟! وماذا يستفيد أولياء الأمور بعد انفاق مئات المليارات على تعليم أولادهم من أجل الحصول على شهادة لايستطيع العمل بها؟!
علينا أن نعمل جميعا لإنتاج وصناعة المستقبل اليوم.. وليس بعد دقيقة واحدة من جهة، وإعادة الإعتبار للعلم الذى يخدم المجتمع بحق وحقيقى أخيرا وعلى سبيل المثال أتمنى أن أجد يوما كل الذين يقفون أمام الماكينات يحملون لقب باشمهندس!
yousrielsaid@yahoo.com