خطاب الاحتياطي الفيدرالي المتشدد يعصف بأسهم التكنولوجيا الرابحة ويحفز عائدات السندات
ينذر آخر خطاب متشدد لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بفتح جبهة جديدة في معركة مستعرة باستمرار بين أسهم شركات التكنولوجيا وعائدات سندات الخزانة الأمريكية، ما قد يضر بمديري الأموال الذين انكبوا على شركات الولايات المتحدة ذات رؤوس الأموال الضخمة بأعداد هائلة.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
وشهد مؤشر ناسداك 100 أكبر هبوط له منذ الأسبوع المنتهي في 10 يونيو الماضي عقب إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الجمعة عن عزمه زيادة أسعار الفائدة بلا هوادة إلى نطاق اقتصادي متشدد للحد من التضخم في الولايات المتحدة الذي بلغ أعلى مستوياته خلال عقد.
الخوف من الخسارة
ويتوقع مديرو محافظ الاستثمار، بمن فيهم المضاربون على السوق الصعودية في الأجل الطويل للقطاع، وقوع خسائر جديدة مستقبلية لأسهم التكنولوجيا الحساسة لأسعار الفائدة - حيث تدل كافة المؤشرات على أن باول سيلتزم بتطبيق سياسته التي تمثل تهديدًا نظرًا لأن أسعار السلع والخدمات ما تزال عالية بصورة مستعصية على الحل عبر كافة أنحاء العالم.
وأسفر الصعود السريع في عوائد السندات أجل 10 أعوام الشهر الجاري عن زعزعة ما يسمى بأسهم النمو بينما زاد من هبوط الأصول عقب انتعاش في الأسهم بلغ 7 تريليونات دولار مؤخرًا.
يتأهب القلقون في وول ستريت حاليًا لمعيار سندات الخزانة لإعادة اختبار مستوى الذروة القريب من 3.5% الذي تحقق في شهر يونيو أو الصعود إلى 4%، ما يهدد بالإضرار مجددًا بالشركات الرابحة عقب ارتداد مجموعة الأسهم بما يفوق 20% من مستوى الحضيض للسوق الهابطة.
وقالت نانسي تينجلر، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة "لافر تينجلر إنفيستمنت" (Laffer Tengler Investments) إذا صعدت العوائد إلى 3.5%، فسيهز ذلك الأسواق وسيكون مؤلمًا لا سيما لأسهم التكنولوجيا وإذا بلغنا 4%، فإن سوق الأسهم بالكامل ستتحول وستعاد معايرتها".
صناديق التحوط
وينذر كل هذا بأخذ صناديق التحوط على حين غرة، عقب رفع هذه الفئة، بحسب بيانات القطاع التي يتعقبها مصرف "جولدمان ساكس" فإن الرهانات على الأسهم التكنولوجية خلال الربع الماضي تصل لأعلى مستوى منذ بداية وباء كورونا، بسبب وجود قناعة بأن التباطؤ الاقتصادي المتزايد سينعش التجارة الآمنة للشركات ذات رؤوس الأموال الضخمة.
وهزت موجة أخرى من التقلبات وول ستريت الجمعة، بعد خطاب باول المنمق في ندوة "جاكسون هول" حيث حذر من تطبيق سياسة تقييدية لجزء من الوقت بالنظر لـ"تحذير التاريخ بشدة من تيسير السياسية النقدية مبكرًا".
وأخذت العقود الآجلة مع وضع اجتماع سبتمبر المقبل لبنك الاحتياطي الفيدرالي في الحسبان، والمتوقع رفع أسعار الفائدة فيه 64 نقطة أساس، دفعة واحدة الجمعة، بالمقارنة مع 59 نقطة أساس قبيل إلقاء الخطاب.
وسوق الأسهم تحمل العبء الأكبر لرسالة باول من أن الارتفاعات في أسعار الفائدة ربما تضعف من النمو الاقتصادي حيث هبط مؤشر ناسداك 100 لشركات التكنولوجيا الفائقة 4.1% حتى مع استمرار عائد سندات الخزانة أجل 10 أعوام مستقرًا بطريقة كبيرة.
وتعتبر شركات التكنولوجيا سريعة التأثر بصفة خاصة بمخاوف زيادة أسعار الفائدة لأن العديد منها يُقيم على أساس الأرباح المتوقعة التي ستحقق على مدى أعوام في المستقبل. بلغت القيمة الحالية لتلك الأرباح المستقبلية أقل مستوى لها في ظل صعود العوائد.
كما أن أسعار الفائدة العالية تجعل العمليات التمويلية أعلى كلفة، ولا تعد هذه مشكلة لشركات على غرار "أبل" و"مايكروسوفت" التي تتمتع بفائض سيولة، ولكنها ترفع المخاطر التي تجابه الشركات الأحدث عهدًا التي تستنفد الأموال في محاولتها لتحقيق نمو سريع.
تحركت عوائد سندات الخزانة الأمريكية أجل 10 أعوم حول 3% الجمعة، مقابل نحو 2.57% في أوائل أغسطس الجاري.
توصيات للمستثمرين
وقال شون صن، مدير محفظة استثمار لدى " ثورنبرج إنفيستمنت مانجمنت" (Thornburg Investment Management): "يطمع المستثمرون في وجود سياسة معتدلة، لكنهم لن يبلغوها حتى يتراجع التضخم الذي وصل ذروته قطعًا، لكنه يحتاج إلى هبوط بصورة كبيرة، وإذا تطلب الأمر من بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بقوة أكبر لتحقيق ذلك، فنستطيع أن نشاهد سندات أجل 10 أعوام وهي ترجع إلى عائدات 3.5% تقريبًا. سيكون من الصعوبة بمكان حدوث هذا التحول بلا متاعب بالنسبة لأسهم شركات التكنولوجيا".
ويُعرف مديرو الأموال الذين يركزون على الأجل الطويل، بالتردد في التخلص من التعرض لأسهم شركات التكنولوجيا، جراء توليد الأرباح الموثوق للمجموعة والميزانيات العمومية القوية والقدرة على امتطاء اتجاهات تقليص التضخم.
بالنسبة للمستثمرين الذين يطمحون إلى استمرار تعرضهم لشركات التكنولوجيا، يوصي "صن" العملاء بالمسارعة بشراء أسهم الشركات في خدمات تكنولوجيا المعلومات، مع تجنب المعاملات غير المربحة طويلة الأجل على غرار شركات البرمجيات حديثة العهد.
تتوقع تينجلر من "لافر تينجلر" حدوث متاعب لشركات التكنولوجيا في الأجل القريب، رغم أنها توصي بهذه الفئة على مدى الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة. كما تتمسك بأسهم شركات الأمن السيبراني التي تستثمر في الخدمات السحابية على غرار "أمازون.كوم" و"مايكروسوفت" و"ألفابت" الشركة الأم لـ"جوجل"، بينما تبتعد عن شركات التواصل الاجتماعي المتعثرة مثل شركة "ميتا بلاتفورمز" الشركة الأم لشركة "فيسبوك".
في غضون ذلك، هبطت أسعار أسهم شركات الإلكترونيات في "مؤشر أسعار أدوبي الرقمي"، وهو مقياس بديل لاتجاهات أسعار المستهلك، 9.3% في أغسطس الجاري بالمقارنة بالسنة الماضية، ما قد يسهم في إعطاء إشارة لتراجع التضخم خلال الشهور المقبلة، بحسب جيم بولسن، كبير محللي الاستثمار في شركة "لوثولد غروب" (The Leuthold Group).
من الأسباب التي تجعله يراهن على صعود القطاع، قال بولسن في مقابلة: "تتمثل المشكلة الحقيقية لمستثمري الأجل الأكثر طولًا فيما إذا كانت هذه هي نفس فترة السبعينيات، حيث يوجد تضخم أعلى بصورة دائمة لفترة أطول، إذا كانت المسألة هكذا، فلا أنصحك بأسهم التكنولوجيا. أما إذا كان ما يجري هو مجرد صعود دوري للتضخم، فترجح الاحتمالات بقوة أننا سنرجع حتمًا إلى انحسار التضخم".