ما حكم من يقصد منفعة شخصية من وراء وظيفته؟.. الإفتاء ترد
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "بعض الناس تُوكَل إليهم المهامّ بحكم وظيفتهم فيُسَخِّرُونها لخدمة مصالحهم الشخصية، ويتربَّحُون من ذلك؛ فما حكم الشرع في هذه الأفعال؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
من المقرر أنَّ حفظ المال من المقاصد الشرعية التي جاء بها الشرع الشريف، وتوعَّد مَن تعدَّى عليه بأي صورة من صور التعدي؛ سواء كان بالسرقة أو الاختلاس أو الانتهاب أو أخذه دون وجه حق، ويزداد الأمرُ حرمةً إذا كان المال مالًا عامًّا يتعلق الحقُّ فيه بجميع المواطنين لا بفرد بعينه؛ وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29].
وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» أخرجه مسلم في "صحيحه".
وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
قال العلامة ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 219، ط. دار المعرفة): [أي: يتصرَّفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] اهـ.
فهذه الأفعال تجعل الإنسان آكلًا للمال الحرام، وهذا إثمٌ كبير وعقابه عظيم؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ وَدَمٌ نَبَتَا عَلَى سُحْتٍ؛ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» أخرجه أحمد في "مسنده" والدارمي في "سننه" مختصرًا، وصححه ابن حبان والحاكم، وحسنه الترمذي من حديث كعب بن عُجْرة رضي الله عنه.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «أَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» أخرجه الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "شعب الإيمان".
وعلى ذلك: فمَن يُسَخِّر وظيفته لخدمة مصالحه الشخصية، ويأخذ من الأموال العامة بغير وجه آثمٌ شرعًا، ومُعَرِّضٌ نفسه للعقوبة الدنيوية والأخروية، ويكون مالُهُ المُكتَسَب من ذلك حرامًا شرعًا.