رئيس التحرير
عصام كامل

أيام الديكتاتورية

لعن الله المراهقة السياسية التي جعلت الكثيرين يكفرون بالديمقراطية، فقد أينعت الثورات في أرض سياسية مقفرة فباتت نبتا شيطانيا، لذا أصبح من الشائع جدًا القول بأن استقرار الديكتاتورية أفضل من الفوضي الناتجة عن محاربتها، الديكتاتورية في الحكم لها فوائد أحيانا وقد تكون الديكتاتورية هي الضامن الوحيد للحفاظ على بعض القدرة على التحكم والاستقرار، على الأقل في مواجهة الانخفاض الحاد في مستوى معيشة المواطنين. فالبديل عن الديكتاتورية هو الفوضى، أو تفكك الدولة.

 
وقد تكون الديكتاتورية هى الحل فى بعض المواقف أو الحقب التى تمر بها المنطقة، وتحت وطأة الظروف لمواجهة التحديات المختلفة يتم اختيار شخص يمسك بمقاليد الأمور، ويعتمد على فريق عمله ليحقق الأمان والاستقرار وطموحات الشعب. فالديمقراطية لها مضار أحيانا. 

ومن ناحية أخرى الديكتاتورية قد تأخذ البلاد عبر مضيق التخلف أحيانا بطريق مختصر، والديمقراطية قد تجعل أغلبية الجهلة تختار أسوأ ما فى المجتمع ولا تتيح اتخاذ إجراءات مهمة قد تتوافق مع أغلبية اللحظة، ولكنها قد تخدم مستقبل البلاد أكثر. 

التجربة الديمقراطية

 

ذلك أن التجربة  الديمقراطية الغربية ليست وليدة يوم وليلة وإنما وليدة عقود طويلة من التحول السياسي، فضلًا عن الاختلاف الثقافي والحضاري بين شعوب دول العالم المتقدم وشعوب دول العالم الثالث، وهذا هو حال الديمقراطية الجديدة في العراق التي جلبها الاحتلال الأمريكي، فالعراق تحول من دولة ذات نظام سياسي ديكتاتوري إلى دولة ذات نظام رئاسي برلماني، ومن دولة ذات حزب واحد إلى دولة متعددة الأحزاب ومن دولة مركزية إلى دولة فيدرالية لا مركزية، وكذلك النموذج الليبي الذي لايزال يئن من وهم التغيير المفاجئ من ديكتاتورية إلي فوضي عارمة..

 

والمثال الإيراني مثال ساطع عن الديمقراطية المشوّهة أيضًا، إذ يحق للشعب الإيراني انتخاب ممثله في رئاسة الدولة أو في برلمانها، ولكن من بين مرشحين محددين تختارهم مجموعة من رجال الدين في تجمع إداري سياسي سلطوي وحكومي يحمل اسم "مصلحة تشخيص النظام"، والحبيب بورقيبة كان ديكتاتورا ولكنه نقل بلاده نقلة حضارية كبيرة أيضا فى حقوق المرأة والتعليم وغيرهما. بغض النظر عن المعارضة الكبيرة لذلك..

 

ولم يعد مستغربا أن تستمع إلى الناس وهم  يتحدثون عن خيبة أملهم مما يجري في تونس، ويقولون إن بن علي كان ديكتاتوريا، هذا أمر يهم الساسة المتصارعين على السلطة، لكن ذلك لم يمسسنا نحن البسطاء، ما يهمنا أننا كنا مطمئنين في أعمالنا، وكانت الحياة أيسر مما أضحت عليه اليوم، الأسعار كانت أفضل، البطالة كانت أقل، والأمن أوفر، حتى أسطورة ماليزيا مهاتير محمد لم يكن حاكما ديمقراطيا بالمعنى الذى ننادى به حاليا، مهاتير محمد كان أقرب للديكتاتور العادل الذى يتخذ قرارات وطنية وسريعة وعادلة، دون النظر إلى معارضيه داخل وخارج حكومته..

 

بنى مهاتير محمد الاقتصاد الماليزى بالحسم وضبط الأمن وتوفير بيئة استثمارية تشجع على النمو، وأرغم الماليزيين جميعا على أن يتحملوا بضع سنوات، وكان لى كوان في سنغافورة ديكتاتورا فى أفعال كثيرة، ولكنه قاد بلاده للرفاهة والنمو، وما تم فى الصين فى العصر الحديث لم يكن ممكنا أن يتم فى إطار ديمقراطى يسمح للتخلف بالاستمرار لأنه أغلبية، أو للجهل أن يمنع التطور التكنولوجى لأنه لا يعرفه. 

 

 

ولم يكن  للصين أن تنمو وتستثمر فى إطار مساواة شكلية تجعل كل البلاد فقيرة وتقف أمام قرارات اتخذها الحزب الحاكم ما كان يستطيع أن يأخذها فى مناخ ديمقراطى غربى، وبالمثل حاول جورباتشوف الذي توفي مؤخرا بعد أن آلت إليه القيادة أن ينقل التجربة الغربية إلي الصناعة والسياسة والإدارة بمعنى إتاحة الفرصة للمبادرات الفردية. تحت شعار البروستريكا ولكن المشكلة أنه مثل قادة كثيرين في التاريخ جاء في الوقت الخطأ أي الوقت الذي تهرأت فيه كل مقومات البناء وانعدمت الثقة في الحالة كلها إلي درجة الكفر بها مع تفشي الفساد وتعدد مراكز  القوي  فلم يعد بوسع أحد  وقف الانهيار.
ولا يعني ذلك أن الديكتاتورية هي الحل ولكنها قد تكون الحل المؤقت حتي لا يكفر الناس بالديمقراطية كما حدث في لبنان.

الجريدة الرسمية