الاعتذار قوة.. وليس ضعفًا!
الرجوع للحق فضيلة، والاعتذار عن الخطأ قوة لا يقدر عليها إلا من كان واثقًا بنفسه قادرًا على محاسبتها وردعها عن الشرور، وهو شجاعة لا تصدر إلا عن شخص نبيل. الاعتذار في بعض المجتمعات جزء من ثقافتها الفكرية ومقوماتها الحضارية؛ ومن ثم فهم يحرصون على غرسه في نفوس الصغار منذ نعومة أظفارهم إلى حد جعلهم يقرنون الصفح عمن يخطيء أو تخفيف عقوبته رهنًا بتقديم الاعتذار، وعندما تخطيء النخب في هذه المجتمعات فإن أول المطالب هو دعوة المخطيء ل الاعتذار عن خطئه في حق الدولة والمجتمع وحتى الأفراد..
فن الاعتذار
والاعتذار هنا ليس كلمة تقال في زحام الكلام، ولا تبريرًا للخطأ والبحث عن مخرج من ورطة بل هو اقتناع تام بأن خطأ وقع ووجب الاعتذار عنه، وتصحيحه في الحال، وليس معنى أن تعتذر أنك سييء بل العكس إنك جيد ومرن ولديك رغبة حقيقية ونية صادقة في الإصلاح.
الاعتراف بالخطأ فضيلة، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، وكلاهما فضيلة تعزز روابط الألفة والمحبة بين البشر، وهما في نفس الوقت وسائل تمنعنا من فقدان من نحب؛ الاعتذار بلسم يشفي كثيرًا من الجروح ويمنع تطور الخصومة إلى جفاء وعداوة وبغضاء.
البعض يعتقد أن من البشر من لا يستحق الاعتذار، بينما لا يتردد البعض في الاعتذار لشخص غريب أو صديق.. وبعض الناس لا يتردد في بذله صاغرًا لمن هم فوقه أو لجهة نافذة يخشي بأسها لكنه يضن بكلمة طيبة لأقرب الناس إليه وهذا تناقض صارخ يعود لأحد أمرين: إما استعلاء وتكبر وإما أنه يتوقع من الطرف الآخر أن يتفهم الموقف ويسامحه بشكل آلي كأحد أفراد الأسرة وخصوصًا الوالدين وتلك طامة كبرى وعقوق لا تطاق عاقبته.. فلنحذر!
الاعتذار الصحيح له شروط لابد من توفرها قبل الشروع فيه حتى يحقق غايته المرجوة، وأولها سرعة المبادرة والصدق في الاعتذار وعدم تبرير الخطأ وعدم التعالي أو التلاعب بالكلمات؛ فالاعتذار فن إنساني لا يتقنه كل الناس؛ ذلك أنه يتطلب كياسة ومرونة وعلمًا وثقافة وشيئًا من الأدب والتواضع والقدرة على كبح جماح النفس الأمارة بالسوء، ومن ثم فإن أجمل صور الاعتذار أن يعتذر القوي للضعيف والكبير للصغير.