ثمن الديمقراطية وتكلفة الفوضى
عندى سؤال ممل وسبق طرحه آلاف المرات، لكن الأحداث تلقى به في وجوهنا وتفرض علينا إعادة التفكير في بديهية إنسانية وسياسية.. هل صحيح أن الديمقراطية سبيلنا للاستقرار أم صارت عبئا باهظا علي الدولة الوطنية؟ هل تصلح الديمقراطية لدولنا العربية؟ وأي ديمقراطية، وما معناها بالنسبة لكل من الحاكم والمحكوم في العالم العربي؟ هل ما نراه من فوضى واقتتال وقهر العصابات هو من أعراض عشق الديمقراطية؟ هل تكلفة الديمقراطية أقل من ثمن الخضوع لدكتاتور عادل أو شبه عادل؟
لقد انفجرت الأحداث في الجارة الشقيقة ليبيا، وسقط قتلى وجرحى بين قوات حكومة في الشرق وحكومة في الغرب، جيش في الشرق وجيش في الغرب، حكومة اختارها البرلمان برئيس وزراء هو فتحي اغا في الشرق، وحكومة طرابلس في الغرب يرأسها عبد الحميد الدبيبة الموالي لتركيا، اختارها أيضا البرلمان الليبي فيما سبق قبل ان يلفظها ويأتي بحكومة أغا.حكومة عبد الحميد الدبيبة يعترف بها العالم، وحكومة اغا يعترف بها ممثلو الشعب الليبي، وبعد تلاسن طويل تحولت الشتائم والسباب واتهامات الخيانة إلى قذائف ومدفعية ودماء.. صرعت جميعها عملية البحث عن حل دستوري يرسى الاستقرار والنظام.
نموذج الديمقراطية
وفي العراق الذي كان الأمريكيون يعدونه ليكون نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط، بعد غزو ه وتدمير جيشه القوى وشنق رئيسه صدام حسين، لاتزال الفوضي والفصائل والاعتصامات والمظاهرات واقتحام المؤسسات هي سيدة المشهد بجدارة، بل إن العراق لايزال عاجزا عن اختيار حكومته بعد انتخابات فاز فيها التيار الصدري.. يتبادلون اتهامات العمالة لإيران من ناحية، والعمالة لواشنطن من ناحية، وكلهم يهتفون بعشق بغداد، وفي لبنان، وبعد سنوات لايزال الأخوة الفرقاء يحاولون البحث عن حكومة تمثل مصالح الفرق والطوائف والولاءات الاقليمية. وفي السودان، وحتى بعد إعلان الجيش السوداني انحسار تدخله في تشكيل الحكومة وتركيز دوره في الدفاع عن الدولة الوطنية، لايزال هناك كر وفر في عملية تشكيل الحكومة.. وفي اليمن حيثيون وحكومة شرعية وفوضى ونزيف دماء وتكريس للتخلف!
يحدث أحيانا، ان تفرض عليك صور الدمار في سوريا، وفي العراق وفي ليبيا وفي اليمن وما يستجد، أن تسأل سؤال الدهشة الاعظم الذى سأله معمر القذافي: من أنتم ؟. ولابد أنه السؤال ذاته الذي سأله صدام حسين وهم يحاكمونه ويشنقونه فجر عيد الأضحى: من أنتم؟ هؤلاء جلادو الديمقراطية! ويستتبع طرح السؤال السابق أن تسأل: هل حالكم اليوم أفضل أم حالكم الأمس كان الافضل؟ حاكم مستبد وبلد مستقر، أم حكام وولاة وطوائف وفصائل وكل قد ذهب بجزء من الوطن يعطيه لسيده في الخارج؟
هل نحن بطبيعتنا ضد تداول السلطة سلميا وعقلانيا وبنزاهة وبشرف؟ هل نحن بطبيعتنا نميل إلى السلطان الواحد العادل، او الحاكم الفرد المستبد طالما تتوفر اركان الحياة الآمنة؟. في ظل الفرص التى عشناها أيام سنة حكم الاخوان السوداء في مصر، كان الأمن أهم من رغيف الخبز.. الأمن ولو بالقوة وفرض اسبابها لكبح جماح عملاء الداخل والخارج.
فى كل ما يحدث فى الدول العربية، ستجد أن الولاءات للخارج اقوى من الولاء للداخل، رغم انهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. حاكم قوى وجيش واحد ووطن واحد ام ألف حاكم وألف جيش وألف وطن وألف سيد خارجي يوجه ويعبث؟ تلك هي المشكلة.