رئيس التحرير
عصام كامل

الحر والجفاف.. ملامح عالم جديد تتخلق !

حينما كتبنا الأسبوع الماضى، من فوق هذه المنصة المحترمة، فيتو، عن جفاف ستة أنهار كبرى، رصدناها واحدة واحدة في أمريكا نهر كولورادو، وفي أوروبا نهر الراين ونهر اللوار ونهر الدانوب ونهر بو، وفي الصين نهر يانجتسي، وحين نبهنا إلى أن التغيرات المناخية تعيد تشكيل الكرة الأرضية، لم يكن ذلك من قبيل التخويف أو التنبؤات، أو صورة من صور الخيال العلمي. لقد أعلنت الصين أمس أن جفاف نهر يانجتسي، والموجات الحارة اللافتة تهدد المحاصيل الزراعية، أي تهدد غذاء أكثر من مليار آدمي في بلد واحدة، ناهيك عن حرمان ملايين آخرين يصدر إليهم فائض الإنتاج الصيني الزراعي.. 

 

وبالأمس أيضا دخل الرئيس الفرنسي ماكرون في حالة مكاشفة تاريخية فريدة، مع نفسه، قبل أن تكون مع مجلس وزرائه، فقد قال لهم إن عصر الوفرة إنتهى، وينتظرهم شتاء عصيب، ولن ينعموا بعد اليوم براحة البال، وطلب إلى حكومته أن تقول الحقيقة للناس، والآ يغويهم نزوع الناس إلى معسول الكلام الذي يرضيهم، لا تقولوا للشعب ما يود سماعه، بل أسمعوه أن أيام الرخاء ولت وانتهت!


هذا رئيس دولة كبرى، فرنسا، وفي بريطانيا ضرب الجفاف نهر التايمز، وتراجع الإنتاج الزراعي.. ويمكن ضرب المزيد من الأمثلة في بقاع عديدة من العالم الغني، فما بالك بالدول الفقيرة، والنامية، والرمادية الحال مثلنا! 


الحقيقة أننا يجب أن نواجه الحقيقة، وهي ليست هذه المرة مرتبطة بموقف سياسي أو عسكرى، بل هي ذات صلة مباشرة بالمسألة الكونية للكوكب. قلنا من قبل أن الكوكب يسترد كرامته التي انتهكها الإنسان بوحشية جراء الصناعات والتنمية المتعسفة، ولم يكن في ذلك أدني مبالغة.

ندرة وجوع


ما سلاح الكوكب؟ درجة حرارة تزيد، تتبخر المياه، تجف الحقول، تموت الزراعات، يجوع الإنسان، فيهلك بما صنعت يداه. حتى الآن تعتبر الحرارة الحالية في نطاق المحتمل بقسوة، وبألم وبثمن غليظ، ولعل في هذا إنذارا، لأن المزيد من الإرتفاع الحراري سيذيب جليد القطبين، فتغرق مدن كاملة علي السواحل في جميع أنحاء العالم بل وقارات!


رعب سينمائي مؤقت بتوقيت عرض الفيلم؟ كلا، إنه رعب حقيقي يتشكل ويتجسد. الجغرافية السياسية تتحول إلى جغرافية مناخية يتولد منها تشكيل سياسي لا أحد يعرف ملامحه، هل تتحدد، أم  يكون المولود الشائه هو الفوضى والندرة والجوع، وحرب الغابة!


ينهار اقتصاد العالم خطوة بعد خطوة، مع حرب روسيا في أوكرانيا، وهي بعد ليست حربا شاملة، ونذرالاستخدام النووي تلوح في الأفق، وأنظر الثمن الفادح الذي يدفعه الفقراء والأغنياء حاليا جراء حرب محدودة، فماذا لو توسعت وتوحشت وفقد الإنسان عقله، وتطايرت الرؤوس النووية، لتسدل الستار علي الفصل الغبي الأخير من حياة الإنسان السياسي على كوكب يلفظه، ويكرهه، ويتحول ضده بالموارد التي أساء استخدامها وأسرف علي نفسه وعلي البشر ظلما وعدوانا.

 


ما يحدث من تغيرات مناخية هو قرار الأرض لإعادة توزيع الأماكن والموارد، وبناء عالم جديد، أو لا عالم على الإطلاق.. زعماء قليلون يدركون بقلق بالغ هذه العملية الطبيعية الآخذة في التسارع، يوجعهم دخول شعوبهم علي ندرة يتبعها غلاء، يتبعه خطف وقتل وحرق، وعودة لعصور الجوع. كيف يمكن إرضاء الأرض وتسكين غضب الكوكب؟ لعل رسالة مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ تؤثر وتلطف ليهدأ ثوران البركان..
لقد انتهى الانسان من حربه مع نفسه إلى حرب الطبيعة ضده، بذلك تنتهى مشكلة لقمة العيش، وتبدأ مشكلة الصراع من أجل البقاء ورفض الفناء. 

الجريدة الرسمية