إيران تدخل حلبة المنافسة على زعامة القاعدة.. ما دلالة اختيار سيف العدل خليفة للظواهري؟
عاد الجدل إلى الواجهة بعد مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول بشأن علاقات التنظيم بإيران، نظرًا لإقامة المرشح الأبرز لخلافته على أراضيها.
وأوردت تقديرات مختلفة بشأن المرشحين الأوفر حظًا لخلافة الظواهري أن من أبرز المرشحين سيف العدل القائد العسكري للقاعدة، ويليه عبدالرحمن المغربي الملقب بـ”محمد أباتي”، وهو صهر الظواهري، ووصف بأنه ثعلب القاعدة، وكلاهما يقيم على الأراضي الإيرانية.
ويلي هاتين الشخصيتين في الأهمية وإمكانية الحصول على تفويض الزعامة كل من: يزيد مبارك قائد فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأحمد عمر الملقب بـ”أحمد ديرية” القيادي في حركة الشباب الصومالية الموالية للقاعدة.
التعاون العسكري
ودارت العلاقات التي شهدت تطويرًا واستقرارًا بين إيران والقاعدة خلال مرحلة تولي الظواهري، على محورين رئيسيين، أولهما التعاون العسكري الذي كانت إحدى أهم دلالاته استثناء سيف العدل، وهو ضابط سابق في الجيش المصري يُدعى محمد صلاح الدين زيدان، من الاحتجاز والمعاملة السيئة داخل إيران.
وبرهن التعامل الاستثنائي من قبل طهران مع بعض القادة المهمين الذين اتخذوا من إيران ملاذًا آمنًا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي مقدمتهم سيف العدل الذي حظي بحماية ومعاملة خاصة من وزارة الأمن والاستخبارات، على وجود تفاهمات محددة مع الإيرانيين لم يتم إشراك باقي عناصر القاعدة فيها.
طهران وسيف العدل
ونال سيف العدل هذه المكانة عند الإيرانيين نظرًا للروابط التي جمعته مع قادة عسكريين لميليشيات شيعية موالية لإيران، مثل حزب الله اللبناني منذ التسعينات من القرن الماضي، والتي عُدت تحضيرًا لعمليات القاعدة الإرهابية الكبرى ضد المصالح الأمريكية والغربية عموما، وجرى في ذلك الوقت تنفيذ بنود الاتفاق الذي وُقع بين القاعدة والحرس الثوري في طهران لتمويل التنظيم وتسليح وتدريب قادته العسكريين.
وتلقى سيف العدل الذي اختير لاحقًا لإدارة ملف علاقات القاعدة مع إيران تدريبًا عسكريًا نوعيًا مع آخرين على يد أحد أمهر قادة حزب الله العسكريين في معسكر تابع للحزب في سهل البقاع شرق لبنان، وهو عماد مغنية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في فبراير 2008 في كفر سوسة بالعاصمة السورية دمشق.
ووفقًا لتقارير استخباراتية خاصة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر سافر عملاء بارزون في القاعدة إلى كل من إيران ولبنان للحصول على تدريب متقدم في تصنيع المتفجرات، وحصلوا على إرشادات عسكرية من قادة عسكريين في حزب الله، كما سافر بعض الخاطفين التابعين للقاعدة عبر الأراضي الإيرانية، واستفاد كل طرف من هذا التعاون في تنفيذ مشاريعه بالخارج في مواجهة أعداء مشتركين، خاصة إيران التي حققت أهدافًا بيد القاعدة دون أن تتبنى أي عملية بشكل مباشر.
ونفت هذه الأحداث مزاعم البعض بشأن فرض إيران لإقامة جبرية على سيف العدل وغيره من قادة القاعدة العسكريين المقيمين فيها، علاوة على أن أبومحمد المصري أحد أبرز هؤلاء القادة اغتالته إسرائيل في طهران في أغسطس 2020عندما كان يقود سيارته بحرية في أحد الأحياء الراقية.
وحقق هذا التعاون فوائد لقادة القاعدة الذين حصلوا على حماية أمنية نسبية، حيث ظلوا في مأمن من الطائرات الأمريكية دون طيار على مدى أكثر من عقدين، كما استطاعت طهران تفادي الكثير من الهجمات الجهادية ضد مصالحها طوال هذه الفترة.
وتتحمس إيران لتطوير واستمرار العلاقات مع تنظيم القاعدة بجانب ركيزة التعاون العسكري، نظرًا إلى إسهاماتها في تحقيق هدف أصيل يتعلق بتجاوز الانقسامات السنية – الشيعية والأبعاد العقائدية لتشكيل شبكة مصالح مع الجهاديين السنة قائمة على الكراهية والعداء المشترك للغرب.
وينشط دعائيًا في هذا الاتجاه قادة القاعدة المقيمون في إيران الذين باتوا يتحدثون من منطلقات وأدبيات الميليشيات الشيعية.
ويلعب مصطفى حامد صهر سيف العدل وأحد أبرز قادة القاعدة المقيمين في إيران الدور الأبرز في هذا السياق عبر طرح دعائي مكثف يدعو إلى ما يُسميه التعاون السني الشيعي لتحرير المقدسات والمسجد الأقصى.
ويؤصل مصطفى حامد من خلال مقالاته وإصداراته المرئية لفكرة التوحد تحت لواء محور المقاومة خلف القيادة الإيرانية، معتبرًا أن من يعادي الحوثيين أو حزب الله أو إيران يقف في صف إسرائيل، ودعا بوضوح إلى انضمام الجهاديين السنة إلى المعسكر الإيراني والتبعية الكاملة لمركزه في طهران.
تبادل للمصالح
وسلط بروز بعض أسماء قادة القاعدة في إيران، وفي مقدمتهم سيف العدل الذي يقيم في إيران منذ عام 2001، كزعماء محتملين للقاعدة، الضوء على المدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقة بين طهران والقاعدة في ظل رغبة الطرفين في تطويرها لخدمة مصالحهما ومواجهة أزماتهما الراهنة.
ولحرصها على عدم فقدان ورقة القاعدة ما يعني استمرار قدرتها على تحريك أعمال إرهابية بشكل خفي وغير مباشر تصب في مصلحتها، تبدو إيران أكثر تصميمًا على تمكين أحد قادة القاعدة المقيمين على أراضيها من زعامة التنظيم خلفًا للظواهري.
وتعني تسمية سيف العدل كزعيم جديد للقاعدة وهو الذي يعده البعض أكثر فاعلية وطموحًا في إثبات تميزه وتفوقه على من سبقه في قيادة التنظيم، تكريسا لتعاون القاعدة مع إيران وتحويل التنظيم إلى منظمة أكثر براغماتية وأكثر شبهًا بحزب الله اللبناني.
ويتطلع سيف العدل إلى ترك بصمة تجعله رقمًا ثالثًا مهمًا بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في تاريخ القاعدة، ما يدفعه إلى الحرص على إحياء الحرب العالمية مع العدو البعيد، الولايات المتحدة والغرب، مدعومًا من إيران.
وبناء العلاقة المستقبلية بين القاعدة وإيران وفقًا لهذا التصور قد يفيد التنظيم السني في إعادة بناء قدراته مستفيدًا من الحماية الإيرانية، في ظل ما أثبته استهداف أيمن الظواهري في قلب كابول من انكشاف الساحة الأفغانية أمام الطائرات دون طيار، فضلًا عن وجود بنية استخباراتية أمريكية قوية في أفغانستان.
وسوف يكون من المحرج لطالبان وللقاعدة أن يفقد التنظيم سريعًا زعيمًا آخر بعد الظواهري على الأرض الأفغانية، ما يسلط الضوء بشكل متزايد على علاقات طالبان بالقاعدة وعلى عجز الأخيرة عن حماية قادتها.