رئيس التحرير
عصام كامل

الحاكم السري للولايات المتحدة الأمريكية.. منصب الرئيس في قبضة المؤسسة

جو بايدن
جو بايدن

زادت وتيرة الحديث مؤخرًا حول الحالة الصحية للرئيس الأمريكى جو بايدن، وكان الحدث الأبرز تسلل فيروس كورونا إلى مناعته رغم حصوله على اللقاحات المناسبة، فضلًا عن الرعاية الصحية التى يتمتع بها كزعيم أقوى دولة فى العالم، صحته تعنى حروب واقتصاد وسياسات داخلية وخارجية.

أيضًا قبل 48 ساعة من إصابته بفيروس كورونا، جاء فى اعتراف نادر على لسان رئيس أمريكى سابق، أنه -أي بايدن- تعرض للإصابة بمرض السرطان نتيجة الوقود الأحفورى فى مسقط رأسه، وحاول البيت الأبيض ترميم التصريح، موضحًا أنه كان مصابًا بسرطان الجلد، وتم علاجه، وذلك قبل توليه منصبه رئيسًا للبلاد.

 

صحة بايدن

الهواجس تجاه صحة الرئيس الأمريكى (79 عامًا)، ظهرت جليًا منذ استلام منصبه، وكان سلفه الجمهورى دونالد ترامب، شكَّك فى عديد من المرات بقدرة خليفته الديمقراطى فى المنصب على ممارسة وظيفته، وهو ما كان؛ حيث تعرَّض أكثر من مرة للسقوط من فوق سلم طائرته الرئاسية، ومرة أخرى على الدراجة الهوائية، ورصدت الكاميرات بعض التصرفات التى توحي بإصابته بالزهايمر، الأمر الذى جعله يحمل «ورقة» فى أغلب اللقاءات لتحديد ما يجب قوله أو فعله، خاصة خلال القمم مع زعماء العالم.

صحيح أن صحة الرئيس الأمريكى ربما شغلت شعوب العالم أجمع، خصوصًا الدول المرتبطة بتحالفات مع الإدارة الأمريكية، خشية هزة سياسية دولية تنتج عن شغور منصبه بالوفاة، وعدم اليقين من إمكانية نجاح نائبته «كامالا ديفى هاريس» فى استكمال ولايته، خصوصًا أنها فعليًّا لم تُختبر كزعيمة لدولة تتحكم فى مسارات العالم، وتحاوطها الشكوك حول مدى جاهزيتها للجلوس داخل المكتب البيضاوى.

ورغم أن 15 نائبًا لرئيس الولايات المتحدة صاروا رؤساء بالفعل سواء عبر الانتخاب فى الانتخابات التالية أو بالانتقال المباشر لمنصب الرئيس بوفاة الرئيس الفعلى، انتخب 6 منهم فى الفترة التالية كرؤساء جدد للولايات المتحدة، و8 منهم انتقلوا مباشرة لمنصب الرئيس الحالى للولايات المتحدة بوفاة الرئيس الحالى، ونائب واحد فقط استقال قبل خروج الرئيس من منصبه وهو نائب الرئيس نيكسون والذى استقال عام 1974.

طريقة ترتيبات الحكم فى واشنطن، ووضع نائب رئيس، جميعهم منزوع الصلاحية، وبعضهم منزوع الدسم السياسى، دليل قاطع على أن ساكن البيت الأبيض ومَن ينوبه أو مَن يخلفه أيًّا كان اسمه أو حزبه (ديمقراطي أو جمهوري) مجرد ديكور لاستكمال صورة الحكام الفعلي أو السري لأمريكا، وجْه الرئيس الظاهر فى تلك الصورة ما هو سوى نصف الحقيقة والنصف الأسود الخفي غير المعروف هو الضامن الفعلي لاستقرار أمريكا القوية لعقود مقبلة، ويدلِّل على ذلك عدم شعور المواطن الأمريكى بأى هواجس أو قلق تجاه صحة الرئيس لقناعتهم بأنه مجرد فرع فى شجرة كبيرة جذورها المدفونة فى الأرض هى الرافد الأساسى لتغذية تلك الفروع، وذبولها أو موتها أو حتى سقوطها لن يحدث هزات داخلية أو خارجية.


دور المؤسسة

فعليًّا تدير الولايات المتحدة أمريكا ما تعرف هناك بمؤسسة «Establishment» هذه المؤسسة توليفة لمجوعة من الهيئات تشمل الاستخبارات بفروعها المختلفة، ووزارة الدفاع ويتبنى قادتها قاعدة القيادة من الخلف (leading from behind)، إضافة للكونجرس بغرفيته (النواب والشيوخ) ومجموعة من اللوبيهات الداخلية التى ترسم الخطط الدبلوماسية والاقتصادية لعقود مقبلة بهدف ضمان الحفاظ على الولايات المتحدة فى وضع القوة الدائمة والمتصدرة بعيدا عن شخص الرئيس.

عملية الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية هناك، مجرد ترسيخ لفكر الديمقراطية الداخلية ووضع ستار على المؤسسة الحاكمة تجنبا لدخولها فى مواجهة مع الشعب بشكل مباشر، ويتبادل على هذا الدور الحزبان الديمقراطى والجمهورى بصفتيهما أقوى حزبين هناك، لكن فى النهاية الجميع يبقى فى قبضة المؤسسة ولا يستطيع الخروج عن قراراتها وقواعدها، وتحدث تقارير سابقة عن إطاحة هذه المؤسسة بالرئيس السابق ترامب، بسبب الخروج عن قواعدها وسعيه لتشكيل تيار شعبوى يتقاطع معها فى الخطط والأهداف.


صلاحيات محدودة

وللتعليق على دور الحاكم السرى للولايات المتحدة الأمريكية، يقول طارق فهمى، أستاذ العلاقات الدولية، أن الحكم فى أمريكا قائم على الحكم الفيدرالى، وهناك مؤسسات ومراكز قوى هى التى تتحكم فى اتخاذ القرار وتسيير الأمور، ورئيس الدولة نفسه محدود الصلاحية وفقا للدستور.

وأوضح طارق فهمى أن مراكز اتخاذ القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية تشمل المدعى العام الأمريكى، وهو قادر على أن يحيل الرئيس إلى المحاكمة، بالإضافة إلى اللجان المباشرة فى مجلس النواب «الكونجرس» والتى لديها سلطات تمكنها من محاكمة الرئيس كما حدث فى الفضيحة السياسية المعروفة بـ«ووتر جيت»، حدثت فصولها فى عهد الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، وانتهت بتنحيه عن السلطة.

هناك لوبيهات تؤثر على القرار الأمريكى، هكذا يكمل أستاذ العلاقات الدولية حديثه لـ«فيتو»، ومسار السياسة التى تنتهجها واشنطن، وبالأخص على مستوى العلاقات والاتفاقات الخارجية أكثر منها فى الشأن الداخلى، ولعل أقوى هذه اللوبيهات هو اللوبى الصهيونى، واللوبى الأمريكى اللاتينى، وهو ما يظهر جليا فى دعم واشنطن المطلق لإسرائيل على مر العصور ومهما اختلف اسم الرئيس، بالإضافة إلى لوبى شركات السلاح المتحكمة فى بيع صفقات الأسلحة إلى الدول الخارجية على مستوى العالم، وذلك لما تتمتع به هذه القوى من نفوذ فى مراكز اتخاذ القرار بالإدارة الأمريكية.

ووفق «فهمى» تترك المؤسسة بعض الأمور الداخلية الصغيرة لأجندة الأحزاب المتنافسة ضمن برامجها الانتخابية لجذب الأصوات ودعم المواطنين من خلال استغلال توجهاتهم، وظهر ذلك من خلال معارضة الحزب الديمقراطى لقرار المحكمة العليا بإلغاء حق الإجهاض، فى المقابل توجد أصوات داعمة للقرار من الجمهوريين، وهى مجرد قضية داخلية لكنها فى نهاية المطاف لا تحمل تداعيات جوهرية على الدولة أو المؤسسة الحاكمة.

فيما يرى السفير أشرف عقل مساعد وزير الخارجية السابق، أن المتحكم السرى فى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية هو اللوبى الصهيونى، وذلك من خلال سيطرته على مراكز صنع القرار فى البلاد، موضحا أن رجال الأعمال من العائلات اليهودية الشهيرة مثل «روتشيلد» له دور كبير فى ترسيم سياسة الولايات المتحدة، مستشهدا بالدعم الذى تقدمه واشنطن لتل أبيب، والذى ظهر فى زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى الشرق الأوسط الأخيرة، بالإضافة إلى إعلان القدس الذى يحقق رغبات إسرائيل الإقليمية، بينما لم تستغرق زيارته إلى فلسطين ساعة واحدة، ويأتى ضمن الهدايا التى يحملها زعماء البيت الأبيض إلى إسرائيل بمختلف الخلفيات الحزبية لهم.

وأضاف الدبلوماسى المصرى، أن المؤسسات الأمريكية تتقاسم فيما بينها إدارة البلاد، وعلى سبيل المثال وزارة الخارجية لها الباع الطويل فى العلاقات الدولية بتوجيهات من المؤسسة الحاكمة وليست بأهواء الرئيس، أما البنتاجون فهو المتحكم فى صفقات السلاح والتحركات العسكرية، وترامب أو بايدن أو قبلهما أوباما إلى آخره من قائمة رؤساء تضم 46 اسما حتى الآن ومنذ عهد جورج واشنطن.

الخلاصة أن تأسيس أمريكا ووضع خطة نفوذها الدولى أخذ فى الاعتبار عدم ترك الدولة لأهواء شخصية، أو أيديولوجيات حزبية ووضع ضوابط تديرها منظومة سرية تحمى البلاد من المتغيرات وتجعل جسدها القوى عصيا على الاختراق لتظل باقية ومتسيدة سواء رحل أو تنحى أو مات الرئيس.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية