رئيس التحرير
عصام كامل

دفنت زوجتي مرتين!

نعم دفنت زوجتي مرتين.. المرة الأولي يوم السابع من شهر أكتوبر عام ٢٠٠٩، بعد رحلة مرض شديدة القسوة امتدت أربع سنوات بدأت بإصابتها بمرض الفشل التنفسي الذى جعلها لا تقدر على التنفس إلا بمعاونة جهاز الأكسجين في المنزل، وانتهت هذه الرحلة القاسية بإصابتها بسرطان الرئة، الذى لم ينفع معه العلاج الكيماوي والإشعاعي اللذان خضعت لهما معا تحت إشراف أشهر طبيب عالمى متخصص في مرض سرطان الرئة بباريس، ولذلك فاضت روحها إلى بارئها بعد إصابتها بأزمة تنفس قاسية كانت أشد من الأزمات السابقة التى لاحقتها، ووضعت بسببها عدة مرات على جهاز للتنفس الصناعى، وهو ما يعد تجربة مريرة للمريض وذويه في ذات الوقت.

ذكريات مؤلمة 


أما المرة الثانية التى دفنت فيها زوجتى فقد كانت في اليوم السابع من أغسطس من عامنا هذا ٢٠٢٢.. فقد تقرر هدم مقبرة والدها بطل ثورة يوليو يوسف صديق المدفونة فيها، مع مجموعة من المقابر الأخرى لإنشاء محور مرورى جديد.. وهذه المرة الثانية وكأنها المرة الأولى.. فهى جددت أوجاع الفقد وآلام الفراق استرجعت لى ولابنى شهدى  ذكريات أليمة ومريرة وحزينة رغم أن الوفاة مضى عليها نحو ثلاثة عشر عاما مضت.. 

 

ذكريات الأزمات التى كانت تصيبها ليلا رغم جهاز الأكسجين الملازم لها وإنفاذها بأعجوبة بعد نقلها للمستشفى، وهى الأزمات التى أوقفت قلبها في إحدى المرات عن العمل.. وذكريات حجزها في الرعاية المركزة لأكثر من شهرين فقدت فى نهايتهما القدرة على البقاء فيها، خاصة بعد أن تكرر وضعها على جهاز التنفس الصناعى عدة مرات كنّا نتفاءل خيرا عندما يتم بنجاح فصلها عنه وسرعان ما يتبدد هذا التفاؤل بعد إصابتها بأزمة جديدة.. وأيضًا ذكريات أو صدمة متابعتى داخل غرفة الرعاية المركزة لفشل آخر محاولة لإنقاذ حياتها ومصارحة الأطباء بعجزهم عن إنقاذ حياتها والتسليم بوفاتها.

 


إن لدينا مثلا شهيرا يقول: (الحى أبقى من الميت).. وهو ما يعنى أن مصلحة الأحياء أهم من الأموات.. لكن من يرددون ذلك ينسون أن للأموات أقارب من الأحياء لهم أحاسيس ومشاعر، يتألمون ويحزنون عندما يتكرر مشهد دفن الأحباء مرة أخرى.. فإن هدم مقبرة يختلف عن هدم منزل.. هدم مقبرة يعنى نقل جثامين ورفات وهو أمر يجدد الأحزان والذكريات المريرة المؤلمة.. لكن يبدو أن مشاعر الناس آخر شىء  يفكر فيه القائمون على تنفيذ المشروعات الجديدة، لذلك حتى إبلاغ أصحاب المقابر بأنه تقرر هدمها بخلوا به عليهم فى البداية وعندما حان موعد الهدم تركوا هذا الأمر للتربى.. ولنا الله

الجريدة الرسمية