الباقيات الصالحات
الإيمان مهم في حياة أي منا، إذ بدونه لا يمكن تفسير أمور تقع أمامنا أو الاقتناع بها لأن المحسوسات غالبًا تكون قوية وذات تأثير كبير بالغ، أكثر من الغيبيات غير المحسوسة أو المادية مثل الباقيات الصالحات، التي بدون الإيمان الراسخ بالقلب، فلا يمكن أن تكون مقنعة.. وردت «الباقيات الصالحات» في القرآن الكريم في سورتي الكهف ومريم، قال تعالى في سورة الكهف: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلً» (الاية: 46) وفي سورة مريم في قوله تعالى: “وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا” (الاية: 76)
قال القرطبي: أي ما يأتي به سلمان وصهيب وفقراء المسلمين من الطاعات. واختلف العلماء في «الباقيات الصالحات»، فقيل هي الصلوات الخمس وقيل: هي كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة، لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا. وعن علي رضي الله عنه: الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهن الله لأقوام. وقال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقال النبي ﷺ: (اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الْمِلَّةُ - الشريعةُ أو الدِّينُ -، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وهُنَّ يَحطُطْنَ الخطايا كما تَحُطُّ الشجرةُ ورَقَها، وهِيَ من كُنوزِ الجنةِ).
ويقال أيضا إن الصدقة الجارية من الباقيات الصالحات والبركة يقال فيها ”جند خفي من جنود الله، يرسلها الله لمن يشاء فالبركة إذا حلّت في المال أكثّرته، وفي الولد أصلحته، وفي الجسم قوّته، وفي الوقت عمّرته، وفي القلب أسعدته.. إن البر والصدقة والذكر والتوصل والتسامح من أعظم أسباب البركة. وأن تكابد الأهوال، وتعافر مع المرض والفقر وتشاغب، عن قناعة وبصدق، ثم ترحل.. فتلك هي الجائزة الكبرى أو قل هي مكافأة نهاية العمر، أو بعبارة واحدة: الباقيات الصالحات.
ثم لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس. ابحث عنها في ضميرك فإذا ارتاح الضمير ارتفع المقام.. وإذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك!. لا تحمل هم الدنيا فإنها لله، ولا تحمل همَّ الرزق فإنه من الله، ولا تحمل هم المستقبل فإنه بيد الله. فقط احمل همًا واحدًا كيف ترضي الله.. لأنك لو أرضيت الله رضي عنك وأرضاك وكفاك وأغناك ﻻ ﺗﻴﺄﺱ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﺑﻜﺖ ﻗﻠﺒﻚ.. ﻭﻗﻞ ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻮﺿﻨﻲ ﺧﻴﺮًﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ.. ﻓﺎﻟﺤﺰﻥ ﻳﺮﺣﻞ ﺑﺴﺠﺪﺓ.. ﻭﺍﻟﻔﺮﺡ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﺪﻋﻮﺓ.. لن ينسَ الله خيرًا قدمته، وهمًا فرّجته، وعينًا كادت أن تبكي فأسعدتها! كن مُحسنًا حتى وإن لم تلق إحسانًا ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين وكلها من الباقيات الصالحات.
وكلّ الأعمال ينقطع ثوابها بعد موت الإنسان إلّا ثلاثة أعمال: وهي صدقة جارية، أو علمٌ ينفع به غيره من النّاس، أو ابنٌ صالحٌ يدعو له بعد موته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" فكل هذه الأعمال تنفع الميّت بعد موته وتظل مستمرّة، وكذلك من مات مرابطًا في سبيل الله، يستمر أجر الرباط إلى يوم القيامة.
الوقف، والسبيل في أمور الخير، فما وقفه المسلم لله تعالى، فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته، كعمارة المساجد، والأوقاف التي تسبل وتوقف للفقراء والمحتاجين والمعوزين، ونحو ذلك من الأوقاف في أمور الخير. والوقف هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فلا يباع، ولا يورث، ولا يوهب، وهو من أفضل القرب إذا كان في أمور الخير، ويكفي في بيان فضله أن ثوابه يستمر للإنسان بعد مماته..