رئيس التحرير
عصام كامل

من كان معه الله فمن عليه؟

من كان معه الله فمن عليه؟ فقد كانت معية الله أهم صفات الهجرة وقد تجلت واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ونحن في الظروف الراهنة نلتمس معية الله فقد أرسل أحد السلف إلى أخيه يقول له: أما بعد: إذا كان الله معك فمن تخاف؟ وإذا كان عليك فمن ترجو؟ فمن كان الله معه كانت معه الفئة الغالبة. 

إن نيل معية الله عز وجل شرف كبير وخير وفير يجعل الإنسان في راحة تامة، ذلك أن الله سيدير حياتك وسيخرجك من الضيق إلى النور ومن العسر إلى اليسر ومن الشقاء إلى السعادة وتصبح من أولياء الله الصالحين، ومثال ذلك قول الله تبارك وتعالى لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، وقوله تعالي: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

 وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} وهناك معية أخرى تقتضي التهديد والتحذير، ومثاله قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)..

معية الله

ومعيةٌ تقتضي العلم والإحاطة بالخلق كما في قول الله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)، وجاءت هذه اللفظة في ثمان عشرة آية من  القرآن وتفيد معية الله سبحانه لملائكته، أو صفوة خلقه من أنبيائه، وأوليائه والمؤمنين الصادقين، أو سائر الناس، وتتجلي معية الله في نصرة عباده فإنه لما اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة، والنبي ﷺ يمكث شهرًا لا يوحى إليه ويقول: فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وهكذا تستعين بقول الله: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).

لكن ما كان الله ليترك الصديقة على ما هي عليه من الحزن والكآبة؛ لأن معيته لهذه المؤمنة تقتضي أن ينصرها ولو بعد حين، فأنزل الله تعالى قوله: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).. فرفعها الله بهذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة، شاهدة على براءة الصديقة بنت الصديق، وأن الله كان معها..

ومن ذلك أيضا المرأة الضعيفة خولة بنت ثعلبة التي نطق زوجها بالظهار، وصارت معلقة لا زوجة، ولا مطلقة فأتت امرأته خولة بنت ثعلبة رسول الله ﷺ تشتكي وتقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل الفرج من السماء من السميع البصير، وجاء قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) سورة المجادلة:1 إلى قوله: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).

 


ومن كان رزقه على الله فلا يحزن، فالله خير الرازقين ومن كان الله معه فلا غالب له، (وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِۦ ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ  المؤمنون).. يا أيها المهموم، أبشِرْ فالله أقرب من حبل الوريد فبعد كل شدة يأتي اليسر من الله، علما أن العسر الذي أنت فيه ما هو إلا خير لك فكيف إذا جاء اليسر.

الجريدة الرسمية