رئيس التحرير
عصام كامل

جدل فقهي جديد حول «البصمة الوراثية».. كريمة يرد على رفضه الاعتراف بها ويؤكد: جائزة في هذه الحالات

الدكتور أحمد كريمة
الدكتور أحمد كريمة

حالة من الجدل شهدها مواقع التواصل الاجتماعى بين المهتمين بالشأن الدينى خلال الفترة الماضية كان بطلها الحديث عن أزمة فتوى "البصمة الوراثية" وإمكانية الاعتداد بها فى مسألة إثبات النسب، وذلك على خلفية تداول تصريحات منسوبة للدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية فى جامعة الأزهر، والتى تحدث فيها عن عدم الاعتراف بمسألة البصمة الوراثية، وهو الأمر الذى فتح الباب حول التأصيل الشرعى للمسألة والحالات التى يجوز الاعتراف بها.

 

البصمة الوراثية

وفى البداية أوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية فى جامعة الأزهر، أنه تعددت المفاهيم حول مفهوم البصمة الوراثية الذى أثير فى وسائل الإعلام مؤخرًا، وأنها تدور حول البنية الجينية للموروثات التفصيلية الدالة على هُوية كل فرد بعينه، وهى وسيلة فى التحقق من النسب الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية فى مجال الطب الشرعى وترقى إلى مستوى القرائن القوية التى يأخذ بها الفقهاء فى إثبات النسب المتنازع فيه، وهذا المفهوم الذى أقره مجمع الفقه الإسلامى لرابطة العالمى الإسلامى فى مكة المكرمة والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية فى دولة الكويت.

وأشار إلى أنه من المقرر شرعًا تشوُّف الشارع الحكيم لإثبات النسب وإلحاق الأفرد بأسرهم حفاظًا على الأعراض وحماية للنفوس البشرية ولاستقرار المجتمع ولصيانة للأنساب من الاختلاط، لافتًا إلى أنه من طرق إثبات النسب المتفق عليه فى الفقه الإسلامى الزوجية الصحيحة لخبر «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» [رواه الشيخان البخارى ومسلم] بإقرار الشخص بنسب مولود له مع شروط الإقرار التى تراعَى شرعًا، وهى البينة من شهود عدول وكل ما فيه إثبات لنسب مولود.

وأضاف “كريمة” فى تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن هناك من الطرق ما هو مختلف فيه فى الفقه الإسلامية مثل “القيافة” أي الشكل الظاهرى بين إنسانين، بالإضافة إلى أنه لا ينكر المجمع عليه، وإنما ينكر المختلف فيه، والبصمة الوراثية تقنية علمية للتمييز بين الأفراد ولكل فرد بصمة وراثية خاصة تميزه عن غيره، وقد أجمع العلماء فى المجال الطبي على ذلك، وهم أهل الذكر فى تخصصهم.

 

الشريعة الإسلامية

وأكد أستاذ الشريعة الإسلامية أن الشرع الإسلامى احتاط فى النسب حيث نهى الرجال أن يدعوا أولادًا غير أولادهم “تحريم التبني” كما نهاهم أن ينسبوهم إليهم، كما نهى الشارع النساء أن تدخل على قومها من ليس منهم، وفى ذلك شريعة، منه قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخوانكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وخبر قول النبى -صلى الله عليه وسلم-: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولدَه وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رءوس الأولين والآخرين»، وكذلك أن الشارع حرم أيضًا كذلك على الأولاد أن ينسبوا أنفسهم لغير ذويهم.

وأوضح “كريمة” أن البصمة الوراثية من الجهة الفقهية الإسلامية تعد قرينة قوية إذا توافرت شروط مهمة، منها: إجراء البصمة فى معمل حكومى بواسطة خبراء ثقات، ويفضل تعدد المعامل ضمانًا للتأكد، بالإضافة إلى عدم إجراء البصمة الوراثية فى نفى النسب مطلقًا، وعدم إجرائها فى التأكد من صحة الأنساب، وعدم إجرائها فى النسب المستقر مع الوضع فى الاعتبار عدم إلغاء الدليل الشرعى وهو «الولد للفراش»، ولا بد من وجود زوجية صحيحة، ولا مانع من الأخذ بها فى نكاح فاسد أو وطء شبهة.

وأكد «كريمة» في تصريحاته أن البصمة الوراثية بالضمانات والشروط لا تكون بديلًا عن «الولد للفراش» والإقرار الشرعى، وتكون بمنزلة قرينة قوية بعد الأدلة الشرعية، ويعمل بها بعد هذه الأدلة الشرعية بحكم قضائى مختص.

وختم «كريمة» بأنه لم يرفض البصمة الوراثية على الإطلاق، بل اعترض على الأخذ بها فقط وإلغاء حديث «الولد للفراش»، وكذلك الاعتراض على الأخذ بها فى نفي النسب لما فى ذلك فى شرور لا تخفى على أحد، وذلك لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.

 

دار الإفتاء

ومن جانبها، أكدت دار الإفتاء أن إثبات النسب بواسطة البصمة الوراثية جائز بشرط ثبوت الفراش، وهذا يتوافق مع مذهب الشرع فى التشوف إلى إثبات النسب، ولكنه لا يجوز شرعًا الاعتماد عليها فى نفى النسب؛ لأن الخطأ البشرى فى التحاليل وارد محتمل، فالظن فى طريق إثباتها مما يجعل تقرير البصمة الوراثية غير قادر على نفى النسب الثابت بالطرق الشرعية المقررة، وأما إثبات النسب بهذه البصمة فيمكن اللجوء إليه فى حالة وجود عقد زواج صحيح أو فاسد -أى الذى لم تتوافر كل شروطه وأركانه- أو فى حالة الوطء بشبهة؛ كأن يطأ امرأة ظَنًّا أنها زوجته، فيظهر خلاف ذلك.

وأشارت إلى أنه يمكن أيضًا الاستعانة بالبصمة الوراثية فى حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التى ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك فى وطء الشبهة ونحوها، ومثلها: حالات الاشتباه فى المواليد فى المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه فى أطفال الأنابيب، وأيضا حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتَعَذُّر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لا يمكن التعَرُّف على هُويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.

وشددت الدار أنه لا مانع شرعًا من إلزام المنكِر عن طريق القضاء بإجراء تحليل البصمة الوراثية، سواء أكان الرجل أم المرأة -أم طرفًا آخر كالولى مثلًا- وذلك عندما يدعى أحدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما مع عدم وجود مانع شرعى للزواج بين الرجل والمرأة، ولو لم تثبت تلك العلاقة الزوجية بينهما فى ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما، وكذلك الحال فى حدوث وطء شبهة أو عقد فاسد بينهما، وهذا لإثبات نسب طفل يدعى أحدهما أو كلاهما أنه وُلِد منهما، وفى حالة رفض المدعى عليه إجراء التحليل المذكور يعد الرفض قرينة قوية على ثبوت نسب هذا الطفل له، وإنْ لم نلتفت إلى بقاء الزوجية فى ذاتها والآثار المترتبة عليها فإن إثبات النسب لا يعنى استمرار قيام الزوجية.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية