إلا.. الأزهر
للأسف يتأكل رصيدنا من القوى الناعمة بقصد أو بدون قصد.. ما الذي يفيد في هدم رصيد الأزهر الشريف والكنيسة المصرية وهما أهم عناصر وأدوات ل القوى الناعمة المصرية ومهما تحقق لمصر من تنمية وموارد سيظل الرصيد الدائم والأكبر لها هو قوتها الناعمة وهى مكمن قوتها وريادتها والشيخ الجليل الإمام الأكبر، أحمد الطيب عالم جليل من طراز فريد، يجمع بين غزارة العلم وبين التواضع الجم وعدم التعالي بعلمه، لهذا أحبه الناس والتفوا حوله وذهبوا إليه في كل مكان يتواجد فيه..
فقد سخر كل جهده لخدمة الأزهر، ولخدمة الدعوة الإسلامية وتوعية المسلمين بالأحكام الفقهية الصحيحة دون تشدد أو تساهل ودون إفراط أو تفريط فقد سلك منهجًا وسطيًا يقوم على التيسير لكنه في نفس الوقت يرفض التمادي في الأخذ بالرخص التي أفسدت حياة المسلمين ويتم التعامل مع فضيلة الدكتور أحمد الطيب في الخارج معاملة الرؤساء. كتعبير على مكانة الضيف ومنزلته شديدة التميز ورمزيته الكبيرة.
الدرس ليس في البروتوكول الاحتفالي في شكله ولكن في فحواه ومحتواه.. إنهم يعلمون عن الأزهر أكثر مما نعلم. لأنهم أكثر وعيًا بمكانة الأزهر فهو أكبر مرجعية للعالم الإسلامي السني، ويحظى باحترام وتقدير الملايين من المسلمين السنة داخل العالم العربي أو الإسلامي بشكل تجعله رقمًا لا يمكن بحال التعاطي معه بخفة وباستخفاف.. لأن المس به يعتبر ماسًا بملايين المسلمين السنة في مشارق الأرض ومغاربها.
والأزهر كمؤسسة وبهذا التاريخ وبكل رمزيته واحد من أكثر قوى مصر الناعمة تأثيرًا.. وكل من تعاقبوا على حكم مصر، كانوا شديدي الوعي بهذه الحقيقة الثابتة والمستقرة، ودائمًا ما كان يركز المستعمرون على مؤسسة الأزهر الشريف، باعتبارها المؤسسة الوطنية، والنيل منها وسقوطها رمز لسقوط الدولة.. وكلنا يذكر يوم إقتحم الفرنسيون بخيولهم صحن الأزهر، إنما كانوا يقصدون بهذا العمل الدنىء توصيل رسالة الى العالم بأن مصر قد سقطت، فالأزهر طول تاريخه العريق والطويل هو رمز الدولة المصرية..
دور الأزهر
ولهذا فإن التحرش بالأزهر، وتسليط بعض السفهاء، للنيل منه كمؤسسة ومشيخة ينتقص من قدر فهمهم، وريما يطعن في ولائهم ويبدو وكأنه رد علي الإمام الذي دخل عش الدبابير حينما رفض ما يسمي بالديانة الابراهيمية وهو يري إن الدعوة لـ الإبراهيمية تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار لأن اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها.
وهو الذي شدد على أنه لا يصح أن يطلق على المسيحيين مصطلح أهل ذمة، بل هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. وهو الذي هاجم منكري المعراج بقوله أن من يشكك في حادثة المعراج عليهم أن يقولوا أين سدرة المنتهى في الأرض؟ وأين جنة المأوى في الأرض؟
وهو الذي أوضح أن الدعوة للمثلية زنا والانفتاح والاندماج في العلاقات بين الأفراد وإباحة المحرمات فيما بينهم من الكبائر، والمصريون يعتبرون اليوم إن دعم الأزهر وتقوية دوره والدفاع عنه في مواجهة هذه الهجمات هو جزء أساسي من معركتهم في الدفاع عن الدولة المصرية، ومن سعيهم إلى إقامة الدولة المدنية.
وأشك كثيرا في أن المتطاولين علي الأزهر الشريف قد قرأوا وثيقة الأزهر للتجديد في الفكر والعلوم الاسلامية أو نصوص الدستور، فالهجوم على الأزهر الشريف تحديدًا فى هذه الفترة، لا يختلف كثيرًا عن الهجوم على باقى مؤسسات الدولة المختلفة مثل القوات المسلحة والشرطة. فالدستور يقول أن شيخ الأزهر ومشيخة الأزهر هو المرجعية الرسمية بنص الدستور، فهي الجهة التي تفسر وتحسم الرأي الشرعي، في كل ما يتعلق بالأمور الشرعية الإسلامية.
والأزهر ليس جامعًا أو جامعة فحسب وإنما هو قلعة للوطنية ورمز كبير للدولة المصرية حيث يتبني الأزهر كما هو معروف خطابا وسطيا معتدلا، ويتنبى خطاب توحيد وطني يسعى إلى مواجهة الفتن الطائفية وتوحيد كل أبناء الوطن. وتقول الوثيقة باختصار إن التجديد لازم من لوازم الشريعة الإسلامية، لا ينفك عنها؛ لمواكبة مستجدات العصور وتحقيق مصالح الناس. والنصوص القطعية في ثبوتها ودلالتها لا تجديد فيها بحالٍ من الأحوال، أما النصوص الظنية الدلالة فهي محل الاجتهاد، حيث تتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس، شريطة أن يجيء التجديد فيها على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، ومصالح الناس.
ومن المعلوم أن التجديد صناعة دقيقة، لا يحسنها إلَا الراسخون في العلم، وعلى غير المؤهلين تجنب الخوض فيه حتى لا يتحول التجديد إلى تبديد. وعلى أي حال، أن تأتي الهجمات على شيخ الازهر من هؤلاء بالذات معناه أنه على حق، وأنه يعمل في سبيل المصلحة الوطنية المصرية ثم إن إطلاق غلاه العلمانيين لمحاربة العقيدة بحجة تحديث الخطاب الديني وتنقية التراث يدفع الأمور في إتجاه خاطئ، يصور الدولة والنظام وكأنهم يحاربون الإسلام للأسف.