وستبقى نقطة تحول في تاريخ مصر!
لقد كانت ثورة يوليو 1952 حلما راود المصريين طويلًا، وسرعان ما باركوا ما قام به الضباط الأحرار وانضموا إليهم، ولسوف تبقى مثار احتفائهم وفخرهم؛ أما الحفاوة فلها أسبابها التي لا تُنسى. وأما الفخر فله بواعثه التي لا تخفي، وبين الفخر والحفاوة هناك من يتحفظ وهذا حقه ومعه مبرراته.. وثمة من ينتقد أو حتى يهاجم وله دوافعه وأسانيده وقناعاته تجاه الثورة.. وتلك مسألة صحية، فالاختلاف في الرؤى والتوجهات والمواقف أمر طبيعي في البشر.. وسنة الله في خلقه "وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " (هود: 118).
كما أن الاختلاف في الرؤى أمر مقبول وربما تضاءل أيضًا كلما تقادم العهد بها؛ فيظهر مزيد من الحقائق ويتبدد كثير من الأوهام وتبين للناس الحقيقة على وجهها الصحيح كما أن الخلاف في الآراء يثري الأحداث ويكسبها مزيدًا من الحيوية والخلود والقيمة التاريخية.
ويبقى أن ثورة يوليو عمل بشري يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ؛ وقد أصاب فيها من أصاب وأخطأ من أخطأ وارتفع بها من ارتفع وهوى من هوى، وربح من ربح وخسر من خسر، ومن هنا تتباين المواقف بين تأييد وقبول، ورفض وتحفظ، وكل طرف يبني مواقفه وقناعاته انطلاقًا مما حققته له الثورة من مكاسب أو نزعته من مزايا ورغم ذلك سوف تظل ثورة مجيدة ونقطة تحول فارقة في تاريخ مصر والمنطقة كلها.. وليس بوسع أي منصف إلا أن ينحني لها إجلالًا عرفانا بما صنعته من منجزات سياسية واقتصادية واجتماعية وما حققته من تغييرات جذرية في حياة شعبنا وشعوب المنطقة والقارة بأسرها التي استلهمت منها روح التحرر والتخلص من فكاك الاستعمار البغيض.