رئيس التحرير
عصام كامل

سطو.. وردع واجب

لم يعد خافيًا على أحد الأزمة الاقتصادية في مصر، نتيجة فشل حكومي وسوء تخطيط وإدارة، وتحميل الدولة أعباء ملايين الأغراب في وقت يكتوي فيه الشعب بالضرائب والغلاء، وهو الذي كان ينشد العدالة والمساواة بعد تضحياته وتحمله المشقة، فإذا به يكتشف أن القانون يطبق على العامة فقط ولا يعرف طريقه للفاسدين واللصوص وعائلات تسيطر على الأعمال والوظائف تمنحها لغير المستحقين من الأهل والمقربين وتحرم منها الشعب.

 

واحدة من قصص الفساد والمحسوبية تمثلت في السطو على لوحات الفنان الروسي جورجي كوراسوف، وخلفت فضيحة دولية لمصر، يجب معها فتح ملفات طرق إسناد المقاولات والمشاريع التنموية وسبب تكليف البعض بها دون الآخر، لأن كهذا أعمال إن لم يراع فيها الضمير والاستحقاق تصبح بوابة للفساد والسرقة والعمولات، وهو ما ثبت عمليا في قضايا أخيرة من بينها جدارية مترو الأنفاق محطة كلية البنات، التي سرقتها غادة والي.

 

اعتذرت الهيئة القومية لمترو الأنفاق، عن سرقة لوحات الجدارية مؤكدة "عدم معرفتها بالسطو، واعتقادها أنه تصميما أصيلا، وأنها ستقاضي الشركة المكلفة بالتصميم والتنفيذ"، لكن حتى الآن لم يثبت اتخاذها إجراءات قانونية تجاه مصممة الجرافيك السارقة، التي اختفت وتوارت عن الأنظار حتى تهدأ قضية استيلائها على جهد الآخرين!

 

استغلت منصات وقنوات الإخوان والإعلام المعادي لمصر، ما حدث وتناولته بالمبالغة في التفاصيل والتكاليف وما تقاضته غادة من هيئة الأنفاق مقابل لوحات مسروقة، اكتشف الجميع عند نزعها أنها ملصقات وليست جدارية فسيفساء، بمعنى أن تكاليفها بسيطة، ورغم ذلك "لم ترد هيئة الأنفاق أو توضح حقيقة الملايين، التي يتردد أن المصممة تقاضتها نظير استنساخ لوحات فنان عالمي شهير، فضلا عن أنها مصممة جرافيك وليست فنانة جداريات فكيف تم تكليفها بالعمل؟".

انتهاك الملكية الفكرية

 

استفز الصمت الرسمي الفنان الروسي كوراسوف، رغم أن الهيئة قدمت اعتذارًا رسميًا له، كما أزالت لوحاته المسروقة من محطة المترو، وقام الفنان الروسي بتوكيل محامي مصري لمقاضاة سارقي جهده وإبداعه، وأوضح المحامي، أن "كوراسوف احترم الاعتذار وإزالة التصميمات وان هيئة المترو لا تعلم بأمر السرقة، لكنه مع ذلك سيتخذ إجراءات قانونية ضد شركة غادة والي، والشركة المشغلة للمترو، ومطالبتهما بتعويض كبير عن انتهاك حقوق الملكية الفكرية والسطو على لوحاته".

 

وأبدى الفنان كوراسوف، "انزعاجه من سرقة أربع من لوحاته وإخضاعها لبرامج التصميم بالكمبيوتر وتغيير ألوانها حتى تبدو كتصميمات أصيلة، لكن السطو لم يفلح"، وبينما قصدت السارقة أن يعبر عملها عن الحضارة المصرية القديمة، أعلن كوراسوف "أن لوحاته المسروقة مستلهمة من ملحمة هوميروس الإغريقية".  

 

ارتكبت غادة والي، جريمة مزدوجة، إذ لم تكتف بالسطو على لوحات فنان تشكيلي عالمي، ونسبتها إلى نفسها بعد أن غيرت الألوان وقامت بتغطية الأجزاء العارية من شخصيات اللوحات، بل أنها أيضًا شوهت الحضارة المصرية القديمة، وبجعلها الشخصيات سوداء البشرة تكون تبنت عن عمد أو جهل مزاعم لصوص الحضارة "الأفروسنتريك"، الذين يقولون أن الفراعنة زنوج وان مصر استولت على حضارتهم!

 

تداولت منصات الميديا كلمة ألقتها غادة، قبل سنوات أمام رئيس الجمهورية، تحدثت فيها عن القيم الأخلاقية، ورغم إنشائية الكلمة وأخطائها، ثبت أن غادة، بعيدة كل البعد عن كل ما تحدثت عنه، فهي اعتادت السطو على أعمال الغير ولم تكن سرقة لوحات الفنان الروسي المرة الأولى، وأقرب مثال أنها شاركت مع فريق كامل لتصميم شعار احتفالية طريق الكباش بالأقصر، وبانتهاء الحفل وإشادة العالم كله به، نسبت غادة تصميم الشعار لنفسها وتجاهلت جهد الآخرين!


وقبل ذلك أعادت غادة والي تصميم بعض أغلفة روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ دون استئذان أسرته، وبهذا تكون انتهكت حقوق الملكية الفكرية لأعماله، والغريب أنها تحدثت عن عملها هذا في برامج تلفزيونية ولم يتوقف أحدا عند وجوب استئذان الورثة عند استغلال أعمال الأديب الراحل بأي صورة كانت!

 

أعاد السطو على لوحات فنان عالمي، إلى الواجهة تكليف غادة والي بأعمال عدة في أكثر من وزارة، ما يستوجب توضيح كيفية إسناد الأعمال لها رغم وجود فنانين كبار أصحاب تاريخ وأسماء رنانة لا يهتم بهم أحد من المسئولين، كذلك يجب معرفة من أعطى الموافقة على تصميمات محطة مترو الأنفاق، وإذا لم يعرف أنها مسروقة فكيف مر عليه سواد بشرة الشخصيات التي تدعم أكاذيب الأفروسنتريك؟!

 

 

معالجة القضية السطو تستدعي الإعلان عن صلة رئيس الهيئة المقال بتكليف غادة والي، خصوصا أنه يحمل اسم العائلة ذاتها، ومعرفة ما تقاضته مقابل رسومات مسروقة وكيف ستحاسبها هيئة الأنفاق على الجريمة والخسائر والفضيحة الدولية، لكن رغم المطالبة يبدو أن لا شيء سيحدث، لأن خبر إقالة رئيس هيئة الأنفاق تبعه خبر تعيينه مستشارا، أي أنه لا محاسبة ولا ردع في الأفق ولا أمل في تطبيق القانون!

الجريدة الرسمية