الركود وأزمة الأسواق الناشئة
أصبح هاجس الركود الاقتصادي مصدرًا للقلق عالميًا، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع والنفط والغاز إثر الحرب الروسية الأوكرانية، مع استمرار تداعيات الفيروس وتشديد السياسة النقدية، وقبل ساعات أعلن تقرير نومورا اعتمادًا على مؤشر داموكليس أن مجموعة اقتصادات كبرى ستعاني من ركود الأشهر المقبلة منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا وأستراليا واليابان.
وسبق أن صدق تقرير نومورا الصادر قبل نهاية العام الماضي، حين توقع انخفاض قيمة العملة في مصر وتركيا ورومانيا وسريلانكا، وأنها الأكثر عرضة لمخاطر سعر الصرف في عملات الأسواق الناشئة، نتيجة العلاقة المتنامية بين صحة القطاع المصرفي والديون السيادية، وخطورة العجز المالي المتضخم، وهو ما حدث فعليًا على أرض الواقع.
في مقابل تقرير نومورا عن الركود العالمي، رأى البنك الدولي ان زيادة أسعار الغذاء والسلع عالميًا ستؤدي إلى إفقار عشرات الملايين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيكون من الصعب على العديد من الدول تجنب الركود في ظل انكماش الاقتصاد العالمي بنحو الثلث.
خروج الأموال الساخنة
تبنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغالبية دول العالم، سياسة نقدية تشددية برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، ما سيؤدي إلى ركود اقتصادي يطال دول كثيرة، خصوصا اقتصاديات الدول الناشئة؛ مثل تركيا ومصر وماليزيا وغيرها، إضافة إلى أزمة تخارج الأموال الساخنة من هذه الأسواق باتجاه بنوك الدول الكبرى، مثلما حدث في مصر بخروج عشرين مليار دولار في بضعة أسابيع.
وهنا يجب التوقف عند تصريح كارثي لوزير المالية محمد معيط، بقوله في مداخلة هاتفية متلفزة: "لن نعتمد على الأموال الساخنة مرة أخرى، لأننا تعلمنا الدرس بعد خروجها ثلاث مرات متتالية في السنوات الأربع الماضية، وسنتجه إلى الزراعة والصناعة وزيادة الإنتاج"!
هل كان علينا الانتظار أربع سنوات نتلقى فيها الضربة ثلاث مرات حتى نتعلم؟!، وهل كان يجرؤ وزير على الإدلاء بأريحية بمثل هذه التصريحات لو هناك متابعة ومحاسبة من السلطة التنفيذية أو التشريعية، فوزير المالية اقتصر عمله وإدارته مالية الدولة على الجباية وخنق الشعب بأعلى وأكبر عدد ضرائب في العالم كله رغم ضعف الرواتب وكونها بين الأقل على ظهر البسيطة!
لو عرف معيط، أن ثمة محاسبة تنتظره ما قال ببساطة إن "أكثر من ثمانين في المائة من موارد مصر تذهب لسداد أقساط الديون وفوائدها وإنه يدبر الاحتياجات المالية بالاقتراض مجددًا"، بمعنى لا خطط وبدائل لديه سوى الجباية والاقتراض بلا حدود، حتى أصبحنا من الأكثر اقتراضا في العالم، وحذرت التقارير الدولية من أن "مصر الأولى عالميًا من حيث خطورة قدرتها على سداد القروض"!.
تبخر السيولة
كما حذرت المؤسسات الدولية أيضًا من مخاطر سعر الفائدة العالي على الاقتصاد، وهو ما يجب أن يحاسب عليه محافظ البنك المركزي طارق عامر ومجموعته، لأن خططه في التعويم السنوات الماضية فشلت وأضاع بها مدخرات المصريين، واضطر أخيرا إلى خفض قيمة الجنيه ثانية وسيخفضه كذلك لاحقًا، في ظل الإصرار على ربط الجنيه بالدولار فقط وعدم ربطه بسلة عملات منوعة درًا للمخاطر..
وقد استنكر الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، اليومين الماضيين تلك السياسة المالية البائسة، وأكد أن كثير من البنوك المركزية في العالم نفذت السياسة المالية الخاطئة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة، ورفعت الفائدة في مواجهة التضخم وزيادة أسعار السلع والخدمات، ما سيؤدي إلى تباطؤ اقتصادي يتبعه ركود حتمي..
وحذر محمد العريان، من تبخر السيولة واعتبرها الخطر الحقيقي على الأسواق، وقال أن "التبخر المحتمل للسيولة يمثل مخاطر كبيرة للأسواق والاقتصادات العالمية، في ظل زيادة تكلفة رأس المال وصعوبة الحصول عليه، وقد بدأنا نرى تراجعا في سيولة الأسواق، مع ارتفاع تكلفة الديون وعجز الدول كثيرة الاقتراض عن سداد التزاماتها وسط صعوبة الحصول على تمويل جديد، نتيجة اقتفاء البنوك المركزية في العالم خطى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ومواجهة التضخم برفع سعر الفائدة، ما يؤدي إلى مخاطر الائتمان وتبخر السيولة".
لا يجب الانتظار أكثر من ذلك على فشل وزير المالية والمجموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزي، فبعد سنوات "من تغنيهم بنجاح تجربة الإصلاح وقوة الاقتصاد وقدرته على امتصاص الصدمات"، لم نجد إلا الهشاشة والضعف وان اقتصادنا الأكثر تأثرًا عالميًا بأي هزة كانت، في وقت لم تتأثر عملة واقتصاد دول وبؤر الأحداث الساخنة، لأن لديها كفاءات تقرأ الساحة جيدًا وقادرة على إدارة الأزمات بما يحقق مصالح الشعب والدولة.