مأزق تضخم الدين العام!
لا صوت يعلو الآن على صوت مأزق الارتفاع الخطير لحجم الدين العام بشقيه المحلى والخارجي بعد أن تجاوز الدين العام، بشقيه الداخلي والخارجي، 5.5 تريليون جنيه، وباتت أعباء خدمة هذه الديون تستهلك 51.4% من حجم الموازنة العامة لسداد فوائد وأقساط هذه الديون.. وعلى الرغم من حديث الحكومة المصرية في شأن أن الديون ما زالت في الحدود الآمنة، لكن حجم الأزمة يظهر بشكل واضح في فوائد الدين العام، إذ كشف البيان المالي الخاص بمشروع الموازنة العامة للدولة في العام المالي (2022 – 2023) أن إجمال الفوائد التي سيتم دفعها للديون المحلية والأجنبية خلال العام المالي الجديد تبلغ 690 مليار جنيه (37.196 مليار دولار).
أي تمثل نحو 7.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة زيادة بلغت نحو 19.1 في المئة عن الأرقام الواردة في موازنة (2021 – 2022). كما وصلت نسبة الدين بشقيه المحلى والخارجى الى نحو ٩٤% من حجم الإيرادات العامة بالموازنة العامة. حيث شهد الدين الخارجي لمصر ارتفاعا جديدا في الربع الأول من 2022 حيث سجل 157.8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، مقابل 145.592 في نهاية ديسمبر الماضي.
ولم تعد تطمينات الحكومة ووزير المالية د. محمد معيط الآن كافية لطمأنة الناس، كما لم يعد نهج الصوت الواحد المعتمد لدى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فى سياساتنا الاقتصادية والمالية والنقدية ممكنا استمراره في ظل غياب دور ايجابى للبرلمان واستمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن، كما لم يعد ممكنا أيضا ارتكان الحكومة على الازمات الخارجية وجائحة كورونا وما تلاها من أزمة الحرب الأوكرانية لتبرير فشلها في إدارة الملف الاقتصادي بجوانبه الثلاث الرئيسية الاقتصادي والمالي والنقدي..
إصلاح القطاع الصناعي
خاصة والتقارير الاقتصادية والإحصاءات تكشف أن الأزمة على مستوى إدارة ملف عجز الموازنة والسيطرة على أرقام الدين كانت أزمة مبكرة وأرقامها في تصاعد مستمر دون توقف منذ عام ٢٠١١.. وفي هذا الإطار تشير الاحصاءات وتقارير رسمية محلية ودولية أن الحكومة فقدت السيطرة على ارتفاع أرقام الدين الخارجي والذي شهد معدلات ارتفاع متسارعة في السنوات العشر الماضية بشكل غير مسبوق، وبنسبة بلغت نحو ٣٢٠ % خلال ١١ سنة فقط.
فالبيانات تشير إلى ارتفاع حجم الديون الخارجية لمصر منذ عام الثورة في 2011 وحتى نهاية عام 2021 بنسبة 317 في المائة، مسجلة زيادة بنحو ١١٧،٦ مليار دولار، إذ قفز الدين الخارجي لمصر من 34.9 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 145.5 مليار دولار بنهاية العام 2021 ثم الى ١٥٧،٨ مليار دولار العام الحالي.
ووفق هذه الأرقام فإن الديون الخارجية لمصر ترتفع بقيمة 11.06 مليار دولار بشكل سنوي لتصل جملة الزيادة فى حجم الدين الخارجى منذ ثورة يناير وحتى الآن الى نحو ١٢٠ مليار دولار أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه.
ورغم الاعتراف بأن هناك انجازات كبيرة سجلتها الدولة على مدى السبع سنوات الماضية من قروض تلك الديون خاصة على مستوى تحسين وتطوير البنية الاساسية والطرق والكبارى والموانئ ومشروعات توفير الطاقة وتحقيق الأمن الغذائى وغيرها إلا أن ضريبة هذا الإصلاح ماليا كانت باهظة وأولوياتها باتت محل شك وطموحاتها في تحقيق قفزة تنموية لاقتصادنا الوطني، أيضا باتت على المحك رغم الإنفاق الكبير الذي تم خلال السنوات الماضية بما فيها من سياسات اعتمدت كثيرا على الاقتراض الخارجي وتدفقات الأموال الساخنة في الوقت الذى لم تعطى اهتماما مناسبا لإصلاح قطاعات الإنتاج وخاصة القطاع الصناعي والتركيز على قطاعات نمتلك فيها ميزات تنافسية مناسبة فيه.
وفي ظل تفاقم اختلالات أرقام الموازنة وتراجع التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري ومخاطر أيضا تهدد حصيلة وعوائد ما تم من مشروعات كبيرة في مجال البنية الأساسية تحمل فيها المواطن أعباء كبيرة ما بين رفع الدعم وتعويم الجنيه وحصيلة رسوم وضرائب متنوعة تحملها بشجاعة يحسده العالم عليها، خاصة ونحن نعلم أن لكل شيئ عمر افتراضى لم يعد ممكنا أن تصم الحكومة أذانها عن السماع للرأي الآخر كما اعتادت..
ولم يعد كافيا اعترافها بوجود أزمة مالية حقيقية وخطيرة ولابد من مصارحة الشعب بأوجه القصور والتقصير واستعادة ضمير الشعب ممثلا في تنظيماته ومؤسساته الشعبية سياسية حزبية ونقابية وإعلامية لتكون حاضرة في المشهد ومشاركة فعليا في إدارة أزمات حاضرها وطموحات مستقبلها، حتى لا ضريبة ما نعيش فيه نحن الشعب الآن من آلام وضيق معيشة وأعباء قاسية لسياساتك يا حكومة بلا ثمن.. ولله الأمر.