لماذا يزدري السلفيون الأفكار المدنية ويرفضون النقاش بالعقل والمنطق؟
لا يخاف السلفيون أكثر من تسيد العقل والحكمة والمنطقة بالنسبة لهم من الأمور الشركية، إذ يعلو عندهم النص فوق كل شيء، لهذا كل من يسوق للحياة المدنية والحداثة يعتبرونه ألد أعدائهم وسبق لهم في البرلمان رفض فكرة الدولة المدنية وطالبوا باستبدال اللفظ إلى حكومة مدنية في تجسيد لحجم الرعب السلفي من هذه الأفكار على مشروعهم للدين والدولة.
العقل يقود إلى الفلسفة
ويخاف السلف من أنصار العقل لأنه يقود المجتمع إلى حب الفلسفة وتتبع مناهج الفلاسفة وأقوالهم، ويهاجمون الفكرة دائمًا ويعتبرونها الباب الشرعي للإلحاد في العالم العربي والإسلامي، والقضية ليست مجرد مخاوف، أو آراء شخصية لبعض أكابر المنهج، بل تعود إلى اتهامات شكلت عقيدة السلف منذ قرون، واتهامهم للفلسفة بخلط أفكار اليونان القديمة بالثقافة الإسلامية، وانعكاسات ذلك على تطور علم الكلام، الذي ناقش في عقائد الإسلام، ما تعتبره السلفية حتى الآن خطوط حمراء.
ويتداول السلف قول ابن الصلاح الفقيه والمحدث: "الفلسفة رأس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، فمن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومن تلبس بها تعليمًا وتعلّمًا قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان".
ويقول الباحث السلفي عزيز أبو خلف: تساؤلات العقل تعكس اهتزاز الثقة بالنفس وشعورها بالعجز أمام الفكر الدخيل، مرجعا الأزمة في إثارة التساؤلات الفلسفية لعدم ترسيخ استقلال العقائد الإسلامية عن مثل هذه العلوم، والتأكيد على عدم حاجتها إليها.
وأضاف: العقائد تتسم باليقين والثبات، ولا حاجة لها في أن ترتبط بعلوم عقلية سمتها الأساسية التحول والتغير والنسبية، وأشار الباحث إلى مسئولية علم الكلام الذي نصب نفسه مقررًا لعقائد الدين ومدافعًا عنها، في اعتماد نظريات اليونان ومنطق أرسطو في إقامة البراهين على إثبات الخالق.
وتابع: دلل علم الكلام على عقائد الإسلام وما يتعلق بالذات الإلهية بالتأويل والمجاز، مؤكدا أن هذه العلوم الإسلامية للأسف سبقت الفلاسفة المعاصرين في الحرب على الإسلام، وساهمت في غياب الثقة بالنصوص الدينية.
رأي ابن تيمية في أنصار العقل
وبحسب الباحث أبو خلف: شيخ الإسلام ابن تيمية، وبناء على النصوص القرآنية والنبوية، يرفض تماما هذه المناهج، ويرى أنه لابديل عن جعل النصوص الدينية المرجعية لتفكيرنا وليس العكس كما حصل في علم الكلام، مؤكدا أنه لا يوجد في النصوص ما يخالف العقل، فالواجب عرضها بدون حرج ولا خجل، بل وبكل ثقة، وترك الأمر للعقول تفكر فيها بعيدًا عن الأفكار الدخيلة وعن الثقة المهزوزة أمام هذه الأفكار.
ويشدد ابن تيمية بحسب الباحث على مسئولية الفلاسفة في تحريف نصوص الدين وتأويلها لصالح الفكر المعادي لها منذ قدم الزمان، ويعتبر أن التأويل الذي قام به علماء الكلام في التاريخ الإسلامي فرغ الكثير من النصوص من محتواها الحقيقي، وأثار الجدل والارتباك بين المسلمين، ولاسيما في قضايا مثل الاستواء على العرش والنزول عنه، وإجابة الدعاء وغيرها.
ويختتم الباحث السلفي زاعما أن الاعتماد على النظريات العلمية والآراء العقلية قاد الكثير من المسلمين إلى الخجل من تفسيرات بعض النصوص الدينية، ما أضر بالإسلام والمسلمين، على حد قوله.