ارموه في البحر
جمع الجزار أدواته وهم بالإنصراف ليلحق بذبح أضحية أخرى، أوقفته لأسأله عن مصير جلد الأضحية، ولماذا لا يأخذه ليتصرف فيه كالعادة، فطلب مني التواصل معه بعد ساعة، فإذا جاء جامع الجلود أرسل من يأخذ جلد أضحيتنا، وإذا إعتذر فعلينا إلقاء الجلد في البحر مثلما يفعل البعض. لأننا لو تركناه على حاله سوف يتعفن بعد أربع ساعات.
تواصلت مع الجزار فنصحني بإلقاء الجلد في البحر، والبحر هو مصرف متاخم لقريتنا دأبنا على تسميته بحرًا ولا أعرف سببًا لذلك، حملت الجلد ووضعته أمام منزل الجزار، وحملته مسئولية التصرف فيه، ثم جلست لأفكر في ماض قريب، كنا نبيع فيه جلد الأضحية ونتصدق بثمنه.
هذا الماضي لم يكن لدينا فيه مدينة كاملة في الروبيكي مخصصة للمدابغ والتصنيع إسمها مدينة الجلود، فقط.. كان لدينا مدابغ مجرى العيون المحدودة المساحة والإمكانيات، فكيف نلقي بجلود الأضاحي في البحر ولدينا مدينة للجلود أنشئت لتحقيق أعلى قيمة مضافة من جلود الأبقار والجاموس والأغنام.
حملة توعية
غرفة صناعة الجلود التابعة لإتحاد الصناعات المصرية تؤكد أن ثمانين في المئة من مصنوعات الجلود يتم تصديرها للخارج، وأن المدابغ تتلقى في موسم عيد الأضحى ما يقرب من مليون قطعة من جلود الأبقار والجاموس والأغنام.
هذا العدد (مليون قطعة) لابد أنه يستند إلى الأرقام التي تصدر عن المجازر، فإذا أضيف إليها ما يتم ذبحه خارج المجازر نكون أمام ضعف هذا العدد.
أتمنى أن تضع غرفة صناعة الجلود إستراتيجية لجمع جلود الأضاحي، على أن تشمل هذه الإستراتيجية القرى والنجوع، وأن تتبني حملة دعائية لتوجيه الناس إلى أقرب مجمع لتجميع الجلود، وأنصح بأن يكون في كل قرية مجمع صغير، أو يكون المجمع في أقرب مدينة، وتتكفل الغرفة بنفقات النقل، بالإضافة إلى مبلغ رمزي لصاحب الجلد يتصدق به وفقًا للشريعة الإسلامية. على أن تشمل التوعية أيضًا بكيفية التعامل مع الجلد لضمان سلامته حتى وصوله لمنطقة التجميع.
من غير المعقول أن نمتلك مدينة للجلود ونلقي بجلود الأضاحي في المصارف، ومن غير المعقول أن يستهلك المصريون سنويًا عشرة ملايين طن من اللحوم الحمراء (وفقًا لمركز البحوث الزراعية) منها ستين في المئة من الإنتاج المحلي، ولا يكون لدينا حملة للتعريف بقيمة الجلود والصناعات التي تقوم عليها. الفترة المقبلة تستوجب تعظيم القيمة المضافة لمنتجاتنا، ولا أبالغ إذا طالبت بتعظيم القيمة المضافة من الأضاحي لتشمل عظامها الملقاه في الشوارع وعلى حافة الترع والمصارف في الأرياف.
نحن ننتج، لكننا لا نهتم بالصناعة القائمة على هذا الإنتاج بالشكل المطلوب، ننتج الطماطم.. ولا نهتم بمصانع الصلصة والطماطم المخصصة لمصانع البيتزا، ننتج البرتقال، وربما نكون من أوائل الدول المصدرة له.. لكننا لا نهتم كثيرًا بتصنيعه، نصدر منتجاتنا.. ثم نستوردها بعد تصنيعها بأسعار ربما تزيد عن أسعار تصديرها، وبالتالي تضيع علينا العملة الصعبة، ونفقد عنصرًا مهمًا من عناصر الصناعة وهو تشغيل الأيدي العاملة.
الإنتاج مهم، والتصنيع أهم.
besheerhassan7@gmail.com