جلباب صديقي
توقف صديقي أمام مجمع كافيهات في حي مصر الجديدة، وطلب مني قبول دعوته على فنجان قهوة، دخلنا من البوابة الإلكترونية للمجمع، فاستوقفنا الأمن وطلب من صديقي الخروج فورًا من البوابة المجاورة لأنه يرتدي جلبابًا وقانون الكافية لا يسمح بذلك، ظننت وصديقي أنها مزحة من رجل الأمن، ثم إكتشفنا أنه جاد في طلبه، لدرجة أنه لم يقبل مجرد النقاش، وطالبنا بأن نريحه ونستريح ونخرج فورًا لأن نقاشنا معه لن يغير في الأمر شيئًا.
أصر صديقي على الدخول، وأصر رجل الأمن على موقفه، فطلبت منه أن يستدعي رئيسه المباشر لنناقشه، وجاء رئيسه ليتحدث بأدب وهدوء، مؤكدًا أن مجرد وقوف صديقي بجلبابه على باب الكافيه سيكون سببًا في عقابه وزملائه، فالكاميرات تنقل الصورة مباشرة لمدير الكافيه، وإذا طالت وقفتنا سوف يحضر بنفسه وهذا يعني فشله في إقناعنا، وبالتالي سيكون متهمًا بالتقصير في العمل، أشفقت على الإثنين (رجل الأمن ورئيسه المباشر) فطلبت من صديقي الانصراف لنجلس في مكان آخر.
أصر صديقي على الدخول، مؤكدًا أن هذا حقه ولن يتنازل عنه، ثم سأل عن أكبر مسئول في المكان فجاءه المدير ليؤكد ما أكده رجلا الأمن، فسأله صديقي.. هل الجلباب حرام؟ فقال المدير.. لا، لكنه ممنوع عندنا، فسأله صديقي.. وماذا لو دخل خليجي يرتدي جلبابًا ؟ فرد المدير.. سوف نسمح له بالدخول، فقال صديقي.. ممكن تعتبرني خليجي؟
فرد المدير.. آسف.. إنت مصري، ثم واصل صديقي تساؤلاته.. وإيه الفرق بيني وبين الخليجي؟ وكيف تمنعني من ممارسة حريتي في إرتداء ما أريد؟ هل جلبابي يخدش الحياء؟ وما هو الزي الرسمي لدخول الكافيه؟ هل هو الشورت والتي شيرت كما أرى؟ نصف المصريين يرتدون الجلباب.. فهل نمنعهم من دخول أماكن بعينها؟ يا بني عيب عليكم، لقد جعلتوني فرجة، أليس هذا نوع من التمييز والتنمر؟ وكان الرد من المدير..تحكمنا لوائح وقوانين وإستمرارك هنا سوف يضرنا، فسأله صديقي.. يعني لو أنا لابس شورت وتي شيرت.. هل كنتم ستسمحون لي بدخول الكافيه؟
فقال المدير.. نعم. وإذا بصديقي يختفي وراء ساتر ويعود بـ«لوك جديد» يفاجئ به الجميع، فقد خلع جلبابه الأبيض وعاد بما كان يرتديه تحت الجلباب - فانله نص كم وسروال- وسأل مدير الكافيه.. إيه رأيك.. كده ممكن أدخل؟ أصيب الجميع بالذهول، وإنفجروا بالضحك، وإذ بمدير الكافيه يقترب منه ويقبل رأسه، ويؤكد أن والده لا يرتدي إلا الجلباب، وأنه سوف يسمح له بالدخول وبعدها سوف يقدم إستقالته لصاحب الكافيه، هنا غلبت عاطفة صديقي عقله، وخرج من المكان حتى لا يكون سببًا في أذى يلحق بالعاملين في الكافيه.
وإلى جوار السيارة وقفنا ليرتدي جلبابه ويسألني.. هو إحنا كنا داخلين الكافيه نشرب قهوة.. ولا داخلين وزارة الخارجية نقدم على وظيفة في السلك الدبلوماسي؟ ضحكت، وضحك، ضحكنا سخرية من حال وصلنا إليه ولم نكن نتخيله.
besheerhassan7@gmail.com