في عالم موازي
تمر الأيام، انسحب تدريجيا لمحبة هذا العالم الممتلئ بالإخلاص والحب الصافي. باتت يمناي مثقلة عن الكتابة بعد أن وجدت ضالتها في فم محروم، وجوف مقفر، يحتاج إلى كل يد حانية تمتد إليه، بمسحة على رأس صاحبه. هذا العالم الذي ولجت إليه وكلما وجدت محتاجا رزقنى الله غيره، حتى باتت طرقاتي لا أرى فيها بشرا بل أرى هؤلاء وحسب.
لا يملكون جيوبا يخبئون بها المال، أو أوعية يكدسون بها الطعام، لا يحتالون فى اصطياد لقمة العيش، تتدلى رؤسهم منكسة في الطرقات ذهابا وايابا، تلعق ألسنتهم التراب، تبحث انوفهم عما يسد الرمق، ويسكت صيحات الجوع، وربما يأتي الفرج بعد لحظات، وقد يأتي بعد ساعات طوال، يقضيها هؤلاء رقودا على بطونهم، ملتفين حول أجسادهم، عسى هذا أن يسكت صراخ الأمعاء وذل الاحتياج إلى لقيمات ابن آدم.
محبة صافية
انسحبت إلى هذا العالم البسيط، ينتظرني مخلوقاته بحب، أرى فى اهتزاز اذيالهم بقدومي فرحا، وفي مسحات جباههم في قدمي امتنانا وعرفانا، فى تعلق أظفارهم بملابسي حبا ولعبا. في هذا العالم المحدود لم أر نقودا أو بيعا أو شراء، لم أر ذهبا ولا فضة، بل عثرت على فرحة أعين تلمع بفتات خبز يابس، نظرات شكر وعرفان لقليل من "بقايا البقايا"، أصوات إرتواء ظمأ في يوم قيظ ملتهب.
جذب قلبي هذا القط المنزلي الذي ضل طريقه عن منزله، وبات يجلس فى انتظارى صباح ومساء كل يوم، وأنثى كلب ترافقنى وصغارها كل صباح في طريقي، وبصحبة هؤلاء يزداد يقينى بعظمة الخالق فى زرع غريزة المحبة الصافية من هؤلاء تجاه الإنسان رغم قسوته عليهم.
ربما فاتنى منذ زمن أننى أحتاج وجود هؤلاء، أن متاع الحياة المتداول بين البشر وصراعاتهم مجرد زيف وكذب، أن المتاع الحقيقي في الإحسان لمن هو أضعف ويعاني على تلك البسيطة، أن الراحة في إسكات جوع بطون تتوق لمسحات خير، بلا إدعاء فقر وروايات وهمية عن الاحتياج، الإحسان إلى روح تئن لا يكسوها إلا شعر متسخ.
ليس ذهابا في طريق الدروشة، ولكن ربما تكون محاولة لفهم حقيقة هذا العالم برمته، أن المتعة الحقيقية في العطاء الذي يقابله الحب المنزه عن الهوى، فيارب ألن قلوبنا لهم وأرزق أنفسنا محبة الرفق بهم والعطف عليهم.
