أعداء التنوير!
الظاهرة المحيرة عندما يتحدث كثير من العلمانيين العرب يتكلمون بلطف كبير وأدب جم وحنو إنساني ولغة راقية مهذبة عن جميع الديانات، بما فيها عبادة الأوثان أو البقر أو عبادة بوذا، بينما يكونون شديدي العدوانية والترصد والتصيد والخشونة والبذاءة أحيانا مع دين الإسلام فقط وهي ظاهرة تحتاج لمحلل نفسي ومالي كما يقول (الاخوين سلطان) خاصة عندما يتعاملون مع الدين بتربص واستخفاف والتركيز علي حديث ضعيف أو حادثة خارج سياقها وكأن كل تخلفنا سببه تدين الناس فهم ينزعون التدين عن سياقه الاجتماعي، وينزعون الاجتماع عن لباسه الديني.
وبكل حماقة تفضحهم إنتقائيتهم وعدائهم الصريح لدين بعينه وهو الإسلام، فيمسكون بتلابيب شيخ أو داعية هو حجة على نفسه وليس على الإسلام كعقيدة ثم يغضون الطرف تماما عن رجال دين آخرين يفعلون أكثر من فعل المستهدف عندهم، يسخرون من عقائد ونصوص وشعائر المسلمين بينما يشاركون ويحفظون طقوس غيرهم، يحزنون لبناء مسجد بينما يهللون لبناء دور عبادة لكل ديانة أخرى ويطالبون بدور أخرى للأديان الوضعية.
وذلك هو العداء صراحة لـ الإسلام تحت مسمى التنوير وكان من باب أولى أن يأخذوا هذا الموقف الحاد من الاستبداد وهؤلاء هم الوجه الآخر للمتطرفين والمتاجرين بالأديان وربما خطرهم أكبر لأنهم يمنحون بعض الحمقى مبررا للتطرف.
المثقف والتنويري
وعجيبة تلك المقابلة التي اخترعها الماركسيون واليساريون إجمالا تلك التي تضع المثقف على علاقة تناقض مع الإسلامي أو مع غيره من غير اليساريين على النحو الذي يعلي من قدر الأول باعتباره منفتحا والثاني منغلقا! كانت هذه القسمة الماركسية تبحث عن رد اعتبار لـ الذات اليسارية المهزومة، بدون أن تتكبد عناء البحث عن أسباب الهزيمة، وتبدو البغضاء من افواههم وما تخفي صدورهم أكبر أؤلئك الذين طبع الله على قلوبهم، وفيهم قال الله تعالي: “وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ”..
كثير ممن يسمون أنفسهم التنويريين في مصر اكتفوا بتلويث الهواء بدخان الشيشة، والانزواء في المقاهي لـ الثرثرة وحقن الأوردة ب أفيون التضخيم الفارغ للذات، والاستسلام الكامل للغيبوبة، فالواقع أمر مما يحتمل واكتفي هؤلاء، بتعليق بادج مثقف على ياقة بدلته الأنيقة ـبعدما دلف إلى الانخراط في الرأسمالية الجديدة في عصر الأمركةـ لتعويض إحساسه بـ خيانة الفكر الذي ناضل من أجله لسنوات، وللشوشرة على المنتصر الجديد الذي أزاحه بسهولة في نزهة العودة إلى الشارع!
ولقد وصفت مجلة روزاليوسف في بدايات عام 2000 المفكر الاقتصادي الراحل عادل حسين ـ بكلمة: مثقف سابق!، بعدما تحول من ماركسية هنري كوريل إلى تبني الإسلام الحضاري! مثل عبد الوهاب المسيري وطارق البشري. واليمين في مصر أيضا قوةٌ مهلهلة معلقة بلا جذور ولا مستقبل وهي تعيش يومًا بيوم في قلق متصل، وهي قوة مفلسة فكريا وسياسيا، ليس لديها ما تقدمه أو ما تقنع أو تخدع به أحدًا وهكذا أصبح اليمين المصري هو وجه العملة الآخر لليسار المكسور وكلاهما عدو شديد لحركة التنوير وهما أداة تعطيل لأي نهضة.
وتطرف بعض من نسميهم تنويريين لا يقل خطورة عن تطرف العاملين في بيزنس الدين،
وإذا كان صحيحا أن جزء كبير من تخلفنا هو التدين الزائف للناس فإن الصحيح أيضا أن نمنع المتربصين من أن يمسكوا في حديث ضعيف أو حادثة خارج السياق لهذا يجب تنقية كتب التراث ومراجعة التفاسير المتحجرة لمشايخ اختطفوا الدين وعقيدته ومقاصده لصالح سلطتهم الدنيوية. فلماذا لا يقدم الأزهر مثلا علي وضع كتاب صحيح الأزهر فكل الميراث الفقي كان نتيجة لتفاعل الواقع مع النص المنزل لذا يقال (القرآن الكريم يفسره الزمان) ونحن في أمس الحاجة لذلك الآن.