الحوار الوطني في ميزان الإصلاح الشامل (1)
لفتت الدعوة إلى جلسات الحوار الوطني اهتمام من الأطياف السياسية والمجتمعية كافة وفق معطيات قائمة على حسن النوايا (أو هكذا أريد لها أن تكون)، وذلك في سبيل مزيد من الإصلاح الشامل الذي تشهده مصر في سياق المشروعات القائمة لدعم البنية التحتية توازيا مع مفهوم جديد لحقوق الإنسان يقوم على حقه في الحياة الكريمة وتوفير متطلبات البنية الأساسية وتلبية المطالب الحياتية اليومية.
في ظل تلك الرؤية يحسن لذلك الحوار الوطني اتساع نطاق المشاركة فيه دونما تحفظات على أن يشمل دراسة ملفات الإعلام والتعليم والصحة والإسكان والنقل وأزمات البطالة والغلاء والزواج وحالة إنعدام المعيارية التي تهدد النسق الاجتماعي بين آن وآخر. لذلك نسوق في سلسلة المقالات التالية بعض المقترحات المتعلقة بذلك الحوار الوطني؛ لتكون البداية بالملف الإعلامي.
الملف الإعلامي
يتطلب الملف الإعلامي العديد من الإصلاحات في سياق واقع يؤكد أن الإعلام لا يعيش في فراغ ولا يخلق شيئا من العدم، إنما هو معبر وناقل وراصد ومتفاعل مع سياق اجتماعي وسياسي وثقافي عام، فضلا عن ضرورة إعادة تأهيل القائم بالرسالة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وحال عدم طرح آلية قانونية لحفظ حقوق ممارسي العمل الإعلامي وضمان دخول مادية تراعي ظروفهم وحاجتهم اللحظية إلى تطوير ذواتهم وعدم تركهم عرضة لتقلبات أمواج التغيرات الاقتصادية، فليس ثمة حديث عن تطوير إعلامي أو إصلاح لذلك الملف الحيوي الذي تؤكد معطيات التجارب ضرورته الاستراتيجية وفق أبعاد الأمن القومي والحفاظ على المجتمع.
واستدلالا على واقع الإعلام وتناول ملف الصحافة – مثلا – باتت دخول الصحفيين معروفة للقاصي والداني، وتبين أن عددا كبيرا منهم يثبتون أهليتهم وقدرتهم على الوصول بمعدل الأداء الإعلامي إلى مستويات أرقى متى أتيحت لهم فرص الأمان المهني وتوفير دخول توفر لهم الحد المطلوب من الحياة الكريمة التي تضمن لهم القدرة على الإبداع ويشهد كثر من الفضائيات والصحف العربية على قدرة الصحفيين المصريين الفائقة إعلاميا ومهنيا.
يتطلب المشهد الإعلامي أيضا إعادة ضبط بوصلته على مستوى التشريعات العادلة التي تضمن لأي إعلام تنموي ممارسة مهامه بحيادية ومهنية مع إعادة النظر إلى الإعلام بشكل عام على أنه داعم لصانع القرار في ملف الإصلاح وكشف أوجه القصور الإداري في الإداء الحكومي بتناول مهني يضمن عرض موضوعي لأطراف القضايا التي يتم تناولها كافة، مع إلزام مسؤولي الجهاز التنفيذي بالتفاعل الإيجابي مع مطالب الإعلام في الحصول على المعلومة وعدم التفرقة في التعامل مع الإعلام بين إعلام حكومي وخاص أو إعلام منتشر وآخر يبدأ الانتشار.
لن يعمل الإعلام وفق إرادة التنمية والإصلاح، إلا بتوافر الشروط المشار إليها والتعامل مع حقوقه على أنها «حق دستوري» وليس منحة من نظام يعطيها متى شاء ويسلبها وقتما شاء..
يتطلب الملف الإعلامي أيضا وضع ضوابط لصناعة الدراما التي تحكمت فيها سطوة السعي إلى الربح ورأس المال؛ فبات الإنتاج الدرامي المصري باهتا محاصرا يعبر تارة عن نطاق ضيق بما يمكن تسميته دراما الخيالات أو يتدنى في تناول الأزمات فيروج لها بدراما البلطجة. ولسنا بصدد المبالغة حال اعتبار ما نعانيه من انحطاط وتدني أخلاقي لدى الشباب والنشء نتاج مواد درامية فعلت في المجتمع ما لم يفعله السرطان في الجسم السليم.