حكاية الحاج الضوي
في محافظة الأقصر تحولت الحقول الخضراء إلى استديو مفتوح إضاءتها الشمس ومهندسو أصواتها الناس وموضوعاتها نبض الشارع المصري في حلقات ساخرة يتصدر بطولتها شاب صعيدي أسمر يجسد شخصية الحاج الضوي مع صديقه عبد الناصر، وهو الفنان حمدي الغبري صاحب الموهبة الذي سخر نفسه لمعالجة قضايا حساسة بطريقة حرفية.
قناة راقية
نجح حمدي الغبري في الوصول إلى معظم البيوت بأسلوب مهذب وطريقة راقية، يمكن لمشاهديه متابعته بين أهلهم وبناتهم دونما خجل أو تحفظ؛ لأن الحلقات المقدمة على قناة الحاج الضوي على يوتيوب مكتوبة بعناية فائقة تراعي عادات وتقاليد مجتمعنا المصري والعربي.. لا تجد فيها لفظا يثير تحفظا ضد ذلك المحتوى الإبداعي ولا كلمة تجرح أذن سامعها أو مشهدا خارجا عن السياق المجتمعي.
لم يمتلك حمدى الغبري قناة إقليمية تكلف الدولة ملايين الجنيهات ولم يمتلك ستوديو في مدينة الإنتاج الإعلامي.. كل ثروة ذلك الشاب هي قدرته على فهم المجتمع واحترامه والتعبير عنه بصدق دونما تلوين أو تزييف؛ ليضعنا بموهبته أمام تجربة تستحق الدراسة لنعيد صياغة ما يسمى بالقنوات الإقليمية التي تكلف الدولة شهريا ملايين الجنيهات من مرتبات ونفقات وإنتاج وتكاليف بث بينما لا يوجد لتلك القنوات أي تأثير يذكر على الأرض.
ومع كامل الاحترام للأهداف التي أنشئت لأجلها تلك القنوات إلا أنها على مستوى الممارسة أهداف صورية، فلا هي تواصلت مع المواطن ولا عبرت عنه ولا نقلت نبض الشارع إلى المسؤول، حتى إنتاجها الدرامي المرجو لا وجود له، ولكن لأسباب قانونية يظل العاملون في تلك القنوات محتفظين بمراكزهم المالية والقانونية دونما مساس؛ وبدلا من التسليم بسياسة "ليس في الإمكان أبدع مما كان" يجب دراسة أوضاع وأهداف تلك القنوات على مستوى التنفيذ جيدا بدلا من إهدار ميزانية كبيرة عليها دون جدوى.
المحافظات بحاجة ماسة إلى إعلام إقليميى فاعل يعايش المواطنين همومهم ومطالبهم الحياتية اليومية ولست مبالغا إن قلت بأن ذلك ما فعله ذلك الشاب الصعيدي حتى باتت مقاطع الفيديو التي يقدمها تتم مشاهدتها مشاهدة عائلية في معظم البيوت فتناول أزمات غلاء المهور، والثأر، والبطالة والبخل وغياب نواب البرلمان عن دوائرهم والإدمان والمشكلات الزوجية والسلوكيات الاجتماعية المرفوضة. وليس من المنطق استمرار حالة المكابرة في معالجة أزمات الإعلام الإقليمي في وقت أصبحت الدولة والشعب في أمس الحاجة للأهداف التي أطلقت منصاته من أجل تحقيقها.. والله من وراء القصد.