صوم الرسل
هو أقدم صوم عرفته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى كل عصورها، وأشار إليه السيد المسيح له المجد بقوله: "ولكن ستأتى أيام حين يُرفع العريس عنهم ، فحينئذ يصومون فى تلك الأيام" (لوقا 35:5)،(مرقس 20:2) وكلمة يرفع العريس عنهم، أى صعوده إلى السماء، مش معنى كدة أننا بنفقد حضور العريس، لانه قال "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" ولما يرفع العريس حينئذ يصومون لكى ما يتحدوا بيه، ولكى ما يتقدسوا بيه، اذًا فى وجود المسيح -العريس- مش محتاجين صوم لأنهم يعيشون معه القداسة، فقال لهم "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به" (يوحنا 3:15).
السيد المسيح نفسه بدأ خدمته بالصوم "أربعين يومًا، وأربعين ليلة على الجبل ولم يكن محتاجًا إلى الصوم، لأنه قدوس القدوسين (دانيال 24:9). لكنه صام لكى يعلمنا الصلاة والصوم قبل بدء في الخدمة.. فصام الآباء القديسين ومارسوا هذا الصوم كبداية لخدمتهم المقدسة، وهذا اقتداء بالمسيح الذى بدأ خدمته بالصوم، ومثال موسى النبى قبل أن يستلم لوحى الشريعة، ومثال إيليا النبى قبل أن يكلمه الله على جبل حوريب.. فكان أول صوم تعرفه الآباء وبواسطته أول عمل الكرازة والشهادة بأسم المسيح في أورشليم وخارج أورشليم فى الخدمة الإرسالية..
فهو الصوم الذى تأسست فيه الكنيسة.. صوم الرسل كان بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، وما زال الصوم وسيظل إلى الأبد حسب توقيته بعد الخمسين المقدسة مباشرة، أى بعد عيد حلول الروح القدس على الكنيسة -الآباء الرسل- إشارة لبدء الخدمة والكرازة بأسم المسيح المخلص فى كل أرجاء المسكونة..
ويأتى صوم الرسل ثانى يوم عيد العنصرة وتنتهى مدته بعد قداس عيد استشهاد الرسولان بطرس وبولس فى 5 أبيب الموافق 12 يوليو من كل عام ميلادى.. أنظر فى قانون الرسل يقول: "إنكم بعد تعييدكم عيد البنديكوستى أى الخمسين أى العنصرة.. عيدوا سبة واحدة -أسبوعًا- وبعد تلك السبة صوموا لأنه من الواجب أن نفرح مسروين بالموهبة الممنوحة من الله -الروح القدس- ونصوم بعد فرحنا"
تكريم الآباء القديسين
ويستشهد هذا القانون بأنبياء العهد القديم صاموا مثل موسى وإيليا ودانيال النبى وحنة النبية وأهل نينوى العظيم من أجل توبته، وأستير ويهوديت وداود الملك، وعلى مثال هؤلاء يجب أن يصوم المسيحيون هذا الصوم المبارك ولا يستهين أحد به كما قال لنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، وتختلف مدته من عام إلى الآخر حسب التقويم القبطى للكنيسة، إن صوم الرسل هو الصوم الوحيد المتغير عن باقى الصوم في كنيستنا.
وهذا ما نص عليه مجمع نيقية المسكونى الأول سنة 325م وسمى بصوم الرسل بدلًا من صوم العنصرة تكريمًا للآباء القديسين على أنهم رعاة المسكونة كلها.. ويعد هذا الصوم من أصوام الدرجة الثانية للكنيسة وسمح المجمع بأكل السمك فيه..
واتخذت الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية، منذ أوآخر القرن الأول الميلادى "صومى الأربعاء والجمعة" من كل أسبوع، بدلًا من صوم الأثنين والخميس الذى مارسه الأتقياء من اليهود كما تبين ذلك فى مثل "الفريسى والعشار" ( لوقا 12:18). ويصوم المسيحيون يوم الأربعاء، لان رؤساء الكهنة وقادة اليهود دبروا المؤامرة فى ذلك اليوم لالقاء القبض على السيد المسيح وقتله.
أما يوم الجمعة فيصومون لأنه في اليوم علق الرب يسوع على عود الصليب بيد اليهود وتألم وذاق الموت على الصليب لأجل خلاصنا.. وقد ورد ذكر هذا الصوم في "تعليم الرسل" في أولآخر القرن الأول الميلادى أو بدء القرن الثانى للميلاد، وكان من أعداد بعض آباء القرون الأولى للميلاد، كما توجب قوانين الآباء الرسل على جميع رجال الإكليروس وكل الشعب بالتمسك به..
فصوم الرسل هو من أجل الخدمة والكنيسة، قيل عن بطرس الرسول "إنه صام إلى أن جاع كثيرًا وأشتهى أن يأكل" (أعمال الرسل 10:10). وكما أن صومه كان مصحوبًا بعمل الروح القدس وحلوله. ويقول الكتاب المقدس عن هذا الصوم وممارسته من الآباء منذ البداية "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون" وقال الروح القدس "إفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلوا" ووضعواعليهما الأيادى، ثم أطلقوهما، فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدر إلى سلوكية" (أعمال الرسل 2:13-4).
ونحن نصوم هذا الأيام المباركة شاعرين بضعفنا، لكى يدخل الله فى حياتنا وفى خدمتنا الكنسية ولكى يعيننا، وهنا نلاحظ قبل خدمة الآب الكاهن الجديد يذهب للدير 40 يومًا من أجل الصوم والصلاة والتعليم، والأسقف الجديد أيضًا يصوم لمدة عام كامل قبل بدء خدمته لكى يعينه الرب على هذه المسئولية الخطيرة..
وهذا ما اكد به القديس أثناسيوس الرسولى حامى التقليد الذى هو المسيح نفسه، وحامى التعليم الذى هو مُسلم من الآباء الرسل الأطهار، وحامى الإيمان الأرثوذكسى الذى هو وحدة الكنيسة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية قائلًا: "إننى سلمتُ التقليد وفق الآيمان الرسولى الذى تسلمته من الآباء من غير أن أبتدع شيئًا من الخارج، فسلمته مثلما تعلمته من الكتب المقدسة للآباء الأولين للكنيسة الأولى (الرسل القديسين).
فقد حفظه القديسون باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبى الفم، وغيرهم و، وكانوا متمسكون به حتى النفس الأخير من حياتهما، ومع ذلك لا تتغير مدته نهائيًا إلى انقضاء الدهر، لانه صوم طقسى وتاريخى، ونحن نمتثل بما صامته الآباء القديسين، فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية في منهجها الروحى تعيش حياة الصلاة والصوم طبقًا لوصية الكتاب المقدس.. بالصوم والصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين، بالصوم والصلاة تنتقل الجبال كما حدث فى أيام البابا آبرام بن زرعه، بالصوم والصلاة يحيا الإنسان مع المسيح حياة الشركة المقدسة.. من الذى ينادى بتقليل فترة هذا الصوم؟!
فحافظوا على تقليد كنيستنا القبطية الأرثوذكسية كما تسلمتوه من الآباء الرسل القديسين والتمسك به، لئلا تقعوا تحت طائلة الحرمان والفرز.